طباعة
sada-elarab.com/158956
قبل البداية :
(لابد من اهداء هذه السطور إلى روح المعلم المقاول المهندس عثمان أحمد عثمان مؤسس الشركة المصرية في اربعينات القرن الماضي والتي طالها التأميم بعد قيام ثورة يوليو52 واستطاعت الوصول إلى العالمية انطلاقا من إنجازاتها المحلية واصبحت صاحبة الانجاز الاكبر في قطاع المقاولات بعد مشاركتها في تنفيذ مشروع " السد العالي" رمز الكرامة الوطنية في زمن الشموخ القومي وعصر الكبرياء ....
واوقن تماما اننا قد نختلف على الرأي حول الرجل في انتماءاته وفي مواقفه في حياته لكننا اليوم، وهو تحت الثرى، نتفق على انه صاحب انجاز في مشروع وطني لا نزال نشعر بالفخر ونحن نستعيد تاريخ معاركنا ضد قوي الاستعمار القديم ايا كانت نتائج تلك المعارك التي لاتزال مستمرة رغم تغير الادوار والأساليب في عصر العولمة الرهيب.
بعد هذه المقدمة التي فرضتها ظروف تسطير هذه المقالة اقول بكل ثقة ان الجميع يشعر اليوم بأن هذه الشركة الوطنية تستحق الإشادة والثناء بعد تلك المبادرة الوطنية الرائعة من إدارة شركة "المقاولون العرب" نحو معهد الأورام في منيل القاهرة بعد تعرض مبناه للدمار على أيدي طيور الظلام.
وتأتي أهمية المبادرة في سرعة اطلاقها وتنفيذها دون تأخير في خطوة غير مسبوقة حطمت بها كل قواعد الروتين الحكومي السائدة منذ عقود بعيدة.
ان هذه المبادرة التي انطلقت بالفعل من اجل ترميم مبنى معهد الاورام تؤكد ان الشركة التي اسهمت بدور كبير في المجهود الحربي وازالة إثار العدوان قبل عقود من الزمان لاتزال حريصة على القيام بدورها الذي تأسست عليه وإن اختلف موقع الأداء ليصبح دورها رياديا في مجال إزالة آثار الارهاب في مبادرة جعلت الكل يسير في نفس الاتجاه ولو كان عبر التبرعات بالأموال.
وبطبيعة الحال فالكل يعرف ان "المقاولون العرب"، هي شركة مقاولات مصرية تاسست عام 1955 على ايدي عثمان أحمد عثمان الذي شغل مناصب سياسية عدة منها انه كان وزيراً للإسكان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
وعودة إلى عنوان المقال نستذكر ما سطرته أدبيات تلك الفترة التاريخية البعيدة والتي تشير إلى ان "تأسيس الشركة يعود إلى سنة 1940، يوم تخرج المهندس عثمان أحمد عثمان من كلية الهندسة، فكان متشبثاً بفكرة العمل الحر ليعمل كمقاول دون الإرتباط بأى وظيفة حكومية حيث كانت الوظائف الحكومية متاحة وبمرتبات عالية تساعد على الحياة الكريمة لكنه آثر العمل الحر كمهندس مدنى لتنفيذ المنشآت والمبانى والكبارى والطرق ومشاريع الصرف الصحى والمياه وفى عام 1942 هدم المستعمرون الإنجليز مبانى كفر أحمد عبده بالسويس التي كان يقيم فيها الفدائيون الذين يتصدون لمن استعمروا وطنهم الغالى فهدم الكفر الإنجليز وأسندت الدولة حينذاك إلى المهندس عثمان مقاولة إعادة إعمار كفر أحمد عبده .
وتوالت الأحداث وسافر المهندس عثمان أحمد عثمان إلى السعودية وبعد جهد كبير حصل على عقود إنشاء الكلية الحربية بالرياض ومبانى إيواء الجنود وكذلك أعمال قصور بالطائف ،ومن هنا بدأت الشركة تكبر ويكبر معها عثمان أحمد عثمان.
وحتى تدرك الأجيال الشابة نستعيد حديث المعلم عثمان أحمد عثمان عن انجازه الاكبر وعناه قال : " وقفت طويلاً أمام تجربتى فى السد العالى أتأمل أحداثها وأسترجع مشاهدها وتساءلت كثيراً : كيف أستطعت أن أجتاز تلك المرحلة سالماً لقد واجهت هناك خصوما,وخضت أكثر من معركة على أكثر من جبهة , وفى وقت واحد وكأن الجميع تحالف ضدى لكني وقفت وحدى أتحدى معتمداً على ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا " واستعنت بالله وكان فضل الله على عظيماً ورغم ان العمل فى السعودية كان يسير على قدم وساق لكن تفكيرى وأنا هناك كان يذهب إلى ضرورة أن اعود إلى أرض مصر لنبدأ منها المشوار ولكن من أين ؟ وكيف ؟ ووقفت عند ذلك السؤال إلى أن طالعتنى الصحف ذات يوم بإعلان يقول : إن وزارة الرى المصرية تطلب من المقاولين المصريين تكوين إتحادات كبيرة فيما بينهم لكى يتقدموا من خلالها فى عطاء تنفيذ السد العالى ووجدت فى ذلك فرصة مناقشة الموضوع مع زملائى القائمين على أمر الشركة معى وأذكر أننا عقدنا اجتماعاً لذلك الغرض وكان الإجتماع فى إحدى ليالى شتاء عام 1960 وأغلق الجميع الباب فى وجه الفكرة بالضبه والمفتاح ".
وفي نقطة اخرى من الحديث قال عثمان : "عدت أكثر من مرة لمناقشة الموضوع معهم فرادى ومجتمعين وشرحت لهم أن عملية كبيرة جداً ومتعددة الأبعاد السياسية والإقتصادية وأن مصر دخلت فى تحديات كبيرة بخصوصها وقامت حرب 1956 بسببها وأن مصر تعلق أمالاً كبيرة على المشروع والذى شد كل أنظار الدنيا إليه وكان أن عددت لهم أيضا الفوائد التى تعود على شركتنا عندما يرتبط إسمها بإسمه وتقوم بتنفيذ حجم العمل الكبير فيه والذى وجدت فيه فرصة تسمح لشركتنا بأن يتسع حجم نشاطها ودائرة أعمالها وخبرتها بما يؤكد قدرتها على تنفيذ المشروعات الكبيرة حتى وافق الجميع بشرط أن أتحمل أنا كل ما يمكن أن يحدث من تبعات ووافقت وتقدمت لهذا العطاء وكان المتنافسون على كسب العطاء طرفين جميع مقاولى مصر فى طرف وشركة عثمان أحمد عثمان فى طرف آخر حتى حدثت المفاجـأة المذهلو حين دعانا المهندس موسى عرفه " رحمه الله " فى 12 يناير سنة 1961 إلى جلسة فتح المظاريف وكان يشغل وقتها منصب وزير الرى والسد العالى وفى تلك الجلسة كانت المفاجأة التى زلزلت كل كيان أباطرة المقاولات فى مصر فى ذلك الوقت حيث تم فتح مظروفى فوجد عطائى خمسة عشر مليون جنيه وعندما فتح مظروفهم وجد أن عطائهم سبعة وعشرين مليون جنيه وكان الفارق شاسعاً وكان ان فزت بالمشروع وذهبت الى موقعه في اسوان حيث بدأت أنا وستة مهندسين من شركتى بنصب خيمة وأحضرنا "زير" لكى نشرب منه وتوالى بعد ذلك توافد القوى الضاربة للمقاولون العرب مهندسين وفنيين وملاحظين وعمال وسائقين وتوسعنا فى عدد الخيام المطلوبه وأحضرنا عدداً كبيراً من " الأزيار " لكى يشرب من مائها الرجال ، حيث أمضينا سنه كاملة من العمل الشاق المضنى وتسببت ضخامة إنتاجنا فى أن ينزعج الروس وكان أن ركزت كل همى على ضرورة تحقيق أكبر قدر من الإنجاز لإثبات أنفسنا وقدرة أبناء وطننا وكان أن أستوعب حجم العمل فى السد العالى أكثر من 35 ألف رجل كانوا يعملون بشكل متواصل أربعاً وعشرين ساعة كل يوم .
ولا تزال في قصة السد العالي الكثير من الإشارات حول مفاهيم الوطنية الحقة ودورها في تحقيق الإنجاز بحسن الأداء الذي يعبر عن أعلى درجات الانتماء والوفاء دون ضجيج الهتاف بالشعارات .