طباعة
sada-elarab.com/82294
أسوأ ما يمكن أن يكابده الإنسان المخلص في عمله هو ألا يُنسَب إليه ما بذله من جهد وتفاني وإخلاص، ويكون الشرف والعرفان والامتنان لشخص آخر لم يفعل من الأمر شيئاً، بينما يبقى هذا الإنسان مجهولاً ومطمورًا خلف الجدران.
كثيرون هم الذين يعملون بجدٍ وإخلاص واجتهاد ويتقون الله في وظائفهم وما يتكسبونه من رزق منها، فلا يتوقف سعيهم للأفضل - ليس لأشخاصهم - ولكن للمكان الذي يترزقون منه وللبلد التي ينتمون إليها وللناس الذين يتعاملون معهم طالبين منهم خدمة أو معاملة، فيبذلون أقصى جهدهم لتيسير أمور الدولة والناس الذين يعيشون على أرضها، ويرتجون من ذلك الأجر والثواب أولا عند الله وثانيا الدخل الحلال.
وعلى الجانب الآخر هناك من يجلسون في مكاتبهم ينتظرون انتهاء الدوام دون أي عمل يذكر وانما الحديث في أعراض فلان وعلان، بل والأكثر منهم ضررًا وأذى أولئك الرؤساء والمسؤولين الذين يحاولون إقناع الناس بأنهم العقل المفكر والمدبر والمبدع في مواقع عملهم، ولا تسير الأمور إلا بتواجدهم – وربما تجدهم أغلب الوقت غير متواجدين – ويؤكدون للجميع أن العالم سينهار إذا ما تركوا مقاعدهم، وأن التاريخ سيكتب سيرتهم بحروف من نور، بينما هم يتجاهلون جهود العاملين من خلف المكاتب والجدران الذين بدونهم لن يستطيع هذا المسؤول الحديث عن إنجازاته التي لم ينجزها، ولا أن يجلس على كرسيه لساعة.
أعرف الكثير من الموظفين ذوي الاحترام الكبير والذين يتقون ربهم في أعمالهم، ويبتغون الرزق الحلال فيقدمون لأعمالهم جهودا مضاعفة، ليتلقفها المسؤولين وينسبونها إلى أنفسهم وبلا خجل، ولو سألت هذا المسؤول عن تفاصيل تلك الإنجازات وكيف توصل إليها، لن يعطيك سوى بعض الأرقام والبيانات التي لم يكن ليصل إليها إلا بجهود من خلفه، وستجده كطالب فاشل استطاع أن يحل الاختبار بالغش من زميله، وهو لا يعلم هل ما كتبه صحيح أم خطأ.
وعادة ما تكون وظيفة بعض المسؤولين في العالم العربي هي الكلام ثم الكلام والبحث عن إنجازات العاملين معه ليتكلم عنها، لكن عند حدوث أي فشل يبدأ في التحقيق والبحث عن كبش فداء بين موظفيه، حتى لا تصل إليه أي لائمة ولو بدأ بحساب نفسه لوجد أصل المشكلة.
وعلى النقيض، نرى في بعض دول الغرب نماذج لمسؤولين يعتبرها المواطن العربي شيئاً عجيباً بينما لو بحثنا في ديننا لوجدناها أمراً طبيعياً وملزماً لكل راعٍ مسؤول عن رعيته، فالمسؤولية هنا التزام وليست شرفًا دون نسب، والأغرب في حالنا المؤسف هو انعدام الالتزام كحالة عامة في بلاد المسلمين، بينما حين يتواجد العربي في بلد أجنبي، تجده ملتزما بقواعد وقوانين تلك البلد ليس لأن ذلك ما حث عليه ديننا الحنيف، ولكن خوفاً من العقاب الصارم.
وما رأيته في فيديو متداول لشابة من أصول عربية تعيش في بلد أوروبي واستطاعت أن تصل إلى قبة البرلمان فيه، وكان يحاورها مذيع في فضائية عربية، وتملكته الدهشة عندما علم منها أنها تسكن في شقة قديمة وصغيرة بالطابق الخامس ولا يوجد فيها مصعد، وتذهب للبرلمان باستخدام المواصلات العامة، وكان يبدو عليه عدم التصديق... لا يا عزيزي هذا هو الوضع الطبيعي «والمفترض» للمسؤول في البلاد الأجنبية أو بلاد الكفار «كما يحلو لبعضنا وصفهم».
الدول تنمو وتسير وترتقي وتتعثر وهذا حال كل البشر، لكن الثبات على الحق ونسب الفضل لأصحابه يبقى المبدأ واليقين، فالاعتراف بالفشل ليس عيباً بل إنه محور الحقيقة ويجب ان يكون بداية الانطلاق على طريق النجاح، وما أكثر المسؤولين المدعين الذين ذهبوا أدراج رياح الحقيقة، وما أكثر المخلصين الذين يجهلهم الناس ولكنهم عند أنفسهم وربهم أكرم من كل مسؤول، وهؤلاء من يجب أن نبحث عنهم وننحني لهم تقديرًا وإجلالاً واحترامًا.