طباعة
sada-elarab.com/79877
من يراقب الأحداث في البحرين خلال الأيام الماضية يستطيع أن يقرأ فيها أمور جديدة على الحراك السياسي والمجتمعي في التعامل مع القضايا التي تهم المواطن، سواء من جهة الحكومة أو من جهة نواب الشعب أو حتى من الشعب نفسه.
فقد علم المواطنين بارتفاع أسعار البترول من مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر غير مسبوق على صعيد عمل الحكومة البحرينية التي طالما التزمت بالقواعد القانونية والدستورية في التعاطي مع القرارات سواء الماسة بالمواطن مباشرة أو غيرها من القرارات الأخرى.
وبعدما أعلن عن القرار مسبقاً بدأت التحركات السياسية لمجابهة هذا القرار، حيث استنكر بعض أصحاب السعادة النواب القرار الذي اتخذ من خلف ظهرانيهم وألمح أحدهم إلى انعدام الأداة النيابية التي تعطيهم الحق في وقف القرار، مؤكدا أن المجلس لا سلطة له، وتلى ذلك ما صرح به أحد النواب الكرام بأن القرار غير قانوني، حيث لم يمر عبر الإجراءات القانونية المحددة، ولم ينشر في الجريدة الرسمية، وطالب بضرورة إلغائه فوراً.
ومن ثم بدأ بعض المواطنين بتوجيه الاتهام للنواب بالتواطؤ مع الحكومة في هذا القرار، وهو ما أكده احد النواب الكرام وأنكره آخرون جملة وتفصيلاً، ليأتي رد الحكومة على لسان وزير مجلسي الشورى والنواب، بأن النواب يعلمون بالقرار ووافقوا عليه، فيزيد النار اشتعالاً بين المواطنين والنواب.
ثم تنكشف الصورة بعدها متمثلة في تسريب صورة لصفحة «توافقات بين مجلس النواب مع الحكومة الموقرة» بشأن رفد موارد الخزينة ورغم أن المراد من تسريبها هو توسيع الهوة بين المواطن والنواب، إلا أن نتيجتها كانت عكسية، حيث أوضحت أن النواب توافقوا على أمور عامة لم تتضمن بالتحديد رفع سعر المحروقات، وهو ما يؤكد أن المجلس الحالي يعاني من خبرات قانونية أو سياسيه ولا حتى مالية تستطيع تمحيص الجمل المصاغة بعناية فائقة والتي استغلتها الحكومة وورطت فيها النواب.
وفي اليوم التالي يتحرك السادة النواب بتجميد جلستهم اعتراضا على القرار المنفرد، فتبدأ الحكومة في استخدام الخطة البديلة، (وهي أربعة، اثنين، أربعة) وذلك بإرسال أصحاب السعادة الوزراء للاجتماع مع النواب الكرام، والخروج بتصريحات «توافقية» محلاة بالسكر لكنها لا تسمن ولا تغني من جوع.
ثم تأتي مرحلة جديدة تتحدث عن توجيه الدعم للمواطن وإعلان اللجنة المالية بأنه سيتم «إعادة هيكلة الدعم»، وتوجه الحكومة الموقرة لحصره في جهة حكومية واحدة فقط، وأنه سيوجه للمستحقين فقط، والكثير من الكلام حول هذا الأمر مثل المعايير والمواطن المقيم وغير المقيم، وتأكيدات وتشديدات بشأن الحرص على مصلحة المواطن والمزيد من الاجتماعات والمشاورات، ونسي المواطن في هذا الخضم الكبير والمتلاحق من الأخبار موضوع رفع سعر البنزين بعد أن تم لفت نظره بعيدا بالتركيز على موضوع الدعم.
الجماعة الوحيدة التي اتخذت قرار فعلي هم مجموعة من المحامين الذين قاموا برفع دعوى أمام المحكمة الإدارية لوقف تنفيذ قرار رفع سعر البنزين لمخالفته القانون والدستور، بينما نسي السادة النواب هذا الموضوع وضاعوا في متاهات الدعم وغيرها من الامور الشخصية.
هذا السيناريو الذي وضع لكي يؤخذ المواطن بعيدًا عن القضية الأصلية، أعتبره أنا شخصيًا برأيي المتواضع، مؤشرًا بارزًا لمرحلة جديدة من أسلوب تعامل الحكومة مع المواطنين والنواب الكرام، والتي تتلخص في اتخاذ القرارات المؤلمة نوعًا ما، ومن ثم إحداث تموجات خبرية وتصريحات متضاربة، يليها توجيه الرأي العام للتفكير في موضوع موازي، وإلى أن ينسى قضيته الأصلية.
خلاصة القول في هذا الموضوع إن قواعد اللعب تغيرت بشكل ملفت استهدف توجيه الرأي العام وتحييده وهي قواعد دخيلة على البحرين ونظرية يجب بحث آثارها من قبل السادة النواب.
يقول الفيلسوف الألماني شوبنهور: كل حقيقة تمر بثلاث مراحل، أولاً: تكون موضع سخرية، وثانياً: تتم معارضتها بعنف، ثالثاً وفي النهاية: يتم تقبلها على أنها واضحة لا تحتاج لدليل.