طباعة
sada-elarab.com/79135
تناولت في المقال السابق الحديث عن البنك الدولي وتدخلاته في قرارات الدول المصيرية وما يمس عادة المواطن الفقير، وضربت أمثلة بالدول التي اتبعت البنك الدولي وآلت إلى الفشل والديون، وأخرى استخدمت وسائل أخرى ونجحت في تجاوز أزمتها.
ولله الحمد فإن البحرين ليست في أزمة كما يصورها لنا بعض المسؤولين، فمن يراجع أسعار النفط في بداية الألفية الثانية يجدها أقل من السعر الحالي، وكنا نعيش أيامًا حلوه وجميلة لا يكدر صفوها كل هذا الهم والغم الذي يحاول بعض النواب والشوريين والمسؤولين إحاطتنا به.
ولا حاجة لنا بالبنك الدولي وقروضه وشروطه المجحفة، فلسنا دولة فقيرة مثل دول إفريقيا وبعض دول آسيا، كما أن لدينا من التجارب الدولية ما يبعدنا عن هذا الشر، ولدينا من العقول الوطنية ما يطمئنا على المستقبل، فلماذا الالتزام المفرط بشروط البنك الدولي وتكدير حياة البسطاء من المواطنين، كما حدث الأسبوع الماضي برفع أسعار المحروقات، خاصة وأننا دولة منتجة وليست مستوردة للنفط.
وإذا كان لا بد من وضع سياسات تقشفية ومحاولة زيادة موارد الدولة وإلغاء الدعم، فلماذا دائمًا الخطيئة تشمل البسطاء من المواطنين، رغم وجود وسائل وبدائل أخرى تؤسس لعدالة اجتماعية، ويستطيع الجميع الاقتناع بجدواها في رفد موارد الدولة، مثل فرض ضرائب على الدخل على مستويات وشرائح بحيث لا تمس المواطن البسيط، أو فرض ضرائب على الشركات المستوردة لبضائع استهلاكية تسمى في بعض الدول بالسلع الاستفزازية، مثل مواد التجميل والاكسسوارات ووسائل الترفيه والأغذية الضارة.
ولماذا لم نسمع بأي مبادرة تقدم من المسؤولين أنفسهم بخفض رواتبهم أو مخصصاتهم أو حتى بترول سياراتهم التي استلموها من الحكومة أو أي مبادرة تؤشر لمسؤول يحتذى به في أوساط الكبار، ونجد في المقابل استهدافا مباشر لقلب وجيب المواطن الفقير قبل الغني.
ولماذا انعدام الشفافية في اتخاذ القرارات المصيرية خاصة وأن قرار رفع أسعار المحروقات، لن تكون تبعاته على مالكي السيارات فقط، بل إنها ستمتد إلى كافة القطاعات والسلع والخدمات المرتبطة بالنقل، أي أن الأسعار ستزيد بنفس معدل زيادة أسعار البترول او أكثر لـ 70% من السلع الشهرية التي تستهلك راتب الموظف البسيط.
لماذا أيضا لم تعلن الحكومة عن مشاريع اقتصادية كبيرة توفر دخلاً سنويًا للدولة وتدعم ميزانياتها، وإذا كانت هناك مشاريع، فهل هناك ناتج ملموس يمكن أن يفرحنا ونشعر معه بالأمل في تحسن الأوضاع ربما بعد عقد أو عقدين من الزمان، وأين الشفافية التي يتشدق بها بعض المسؤولين في وسائل الإعلام يوميًا في قرار رفع سعر البترول والذي أخذ به المواطن على حين غرة، وشهدت محطات البترول ارتباكًا شديدًا لساعات طويلة.
القرار كان غير قانوني وغير دستوري لعدم نشره بالجريدة الرسمية أو على الأقل عرضه على مجلس نواب الشعب قبل تطبيقه، رغم تيقننا بأنه لو عرض على مجلس النواب الحالي لمر مرور الكرام دون ضجيج، وهو ما أكده أحد الخبراء، كما ان هذا الأمر يخالف متطلبات دولة المؤسسات والقانون التي طالما سمعنا عنها، وضبابية في تحديد مصدر القرار، حيث سمعنا به من أحد الأشخاص في شركة بابكو ثم توقف محطات الوقود عن العمل، وأخيرًا ظهر خبر رسمي يؤكد القرار.
أمر أخير يجب الإشارة إليه، وهو الأداة المفقودة لدى مجلس النواب لوقف مثل تلك القرارات، والتي تعني أن المجلس النيابي الحالي لا يمثل المواطن وهو أمر لا ريب في تأثيره على المشاركة الانتخابية التي ستجرى في نهاية هذا العام، فما هو الحافز الذي سيجعل المواطن يدير محرك سيارته ليستهلك بترولا بسعره الحالي ويذهب ليصوت لمن لا يملك القدرة للدفاع عنه واتخاذ قرارات تحميه؟