طباعة
sada-elarab.com/78138
لمن يراجع مراحل أزمات دول العالم وتدخل البنك الدولي فيها لن يجد من بينها دولة نجحت إلا ما ندر، بينما على الصعيد المقابل نجد دولا كثيرة استعانت بالبنك الدولي للخروج من أزمتها ولم يزدها إلا ذلك وحولا، «العراق مثالاً» فلمن يعلم اتفاقية صندوق النقد مع العراق والتي كان أحد بنودها إقرار قانون النفط رغم أن هذا الشرط لا صلة له بالقرض، فقد اتضح الهدف منه فيما بعد كمدخل لإعادة هيمنة الشركات الغربية على النفط العراقي، وهو ما يمكن أن يحدث مع كل دول المنطقة النفطية التي تتجه إلى الصندوق حالياً وفي القلب منها البحرين.
ومن أمثلة الدول التي رفضت الصندوق ونجحت البرازيل واليونان والصين، واستطاعت تأسيس مجموعة البريكس لتستحدث لنفسها أسلوب نهوض اقتصادي متفرد عن سياسات البنك الدولي وانضمت لهم جنوب أفريقيا.
وفي الحالة البحرينية لا يبشر عجز الموازنة بخير خلال السنوات القادمة للأسف، فالعجز المعلن لعام 2017 يبلغ 1.3 مليار دينار والمتوقع للعام الجديد 1.2 مليار دينار، وبدأت الدولة البحث عن مصادر تمويل خارجية، فتلقفها البنك الدولي ونسج شباكه حول البحرين ودول الخليج التي تعاني جميعها من انخفاض أسعار النفط، حيث بادر البنك بالإعلان أن على البحرين اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية تقشفية، وكتب الوصفة الطبية السحرية التي نعلمها ونلمسها جميعا، وهي: رفع الدعم، زيادة الرسوم، تطبيق الضرائب ورفع أسعار السلع الأساسية، وهي كلها أمور معني بها المواطن الفقير، ولا يخفى على النخبة والدهماء، السياسة المالية التي يتبعها البنك الدولي من خلال المنح والقروض الممنوحة للدول والتي تكرس مفهوم التبعية.
ويضع البنك الدولي شروطاً معلنة وهي أنه عندما يقترض أي بلد، توافق حكومته على تصحيح سياساتها الاقتصادية للتغلب على المشكلات التي دفعتها إلى طلب المساعدة المالية وتعمل هذه الشروط على ضمان قدرة البلد على سداد القرض إلى الصندوق، وقد حاول الصندوق تبسيط الشروط في عام 2009، مشيرا إلى أن ذلك يأتي بهدف «تعزيز الشعور الوطني» بملكية سياسات قوية وفعالة.
وعلى العكس من «الشعور الوطني» نجد سياسات البنك الدولي تمس الشريحة الأعلى تأثيرا في اقتصاد الدولة وهم المواطنين بشكل عام، وموظفي الدولة في الإطار الأصغر منها، وهنا تكمن الخطورة، من حيث نظرة البنك الدولي لسياسات التوظيف والترقي ومدى حاجة الحكومة للكادر الوظيفي الموجود حالياً، وهل يمكن إخضاعه لإعادة هيكلة؟ - وهو ما حدث في دول كثيرة خضعت لشروط الصندوق - ثم تطبيق سياسات وقف التوظيف في الوزرات والمؤسسات الحكومية لفترات يحددها برنامج الصندوق.
ثم تأتي مرحلة أخرى يتم حالياً التلويح بها وهي «التأمين الاجتماعي» والتقاعد وأثر «العجز الاكتواري» على مستقبل التأمينات، والذي بات سيفا مسلطا على رقاب كبار السن، وأصبح السهم المتجه بسرعة كبيرة إلى الموظفين الراغبين في التقاعد عند الستين والذين اقتربوا من منطقة الاستراحة من شقاء العمل لأكثر من عشرين عاماً.
الأمر المؤكد أن البنك الدولي لا يضع خططاً واقعية لأن تقوم للدولة قائمة، بل يطلب منها فقط تعذيب مواطنيها وتجويعهم ودفعهم للاستياء والتذمر ومن ثم التمرد، دون وصفة للنجاح أو استثمار الموارد بالشكل الأمثل، ولا يقدم مبادرات بل يضع شروطاً وأوامر تضمن له عودة أمواله بالارباح الربوية الطائلة دون اعتبارات لمدى نجاح الدولة المقترضة.
أليس الأجدر للبحرين أن تقترض من دول الجوار وتكون بديلاً عن إذلال البنك الدولي وشروطه، وهل يمكن أن نرى من مجلس التعاون الخليجي أو الدول العربية مبادرة نظيرة للبريكس تجمع شتات تلك الدول وتقيها شر البنك الدولي؟.