هناك من الأخبار ما يفتح الشهية على الكتابة والبحث والاستقصاء، وهناك منها ما يجعل الإنسان يفقد الأمل في طرح الأفكار لإصلاح المجتمع الذي يعيش فيه، ومنها ما يفضل معها التزام الصمت، وعدم الحديث بتاتا.
وسأختار هنا أحد الأخبار الفاتحة للشهية، وما قرأته هذا الأسبوع عن
استبدال عقوبة رجل يبلغ من العمر 70 عامًا، بدلاً من حبسه، وخبر آخر عن تفعيل
قانون العقوبات البديلة من محكمة التمييز بإعادة قضية لسيدة خمسينية أهانت القضاء
وحكم عليها بالحبس سنة، لكي يتم تطبيق قانون العقوبات البديلة، وعندها بدأت في
البحث عن هذا القانون، ووجدته بصعوبة شديدة، حيث لم أجده في أي من المواقع
الإخبارية بتفاصيله الكاملة.
وبعد بحث مطول، وجدت مشروع القانون المقترح من الحكومة لمجلس النواب،
فقرأت فيه ما علمت فيما بعد أنها النسخة التي صادق عليها جلالة الملك - حفظه الله
ورعاه - ووجدت أن هناك عقوبات بديلة نص عليها القانون في المادة رقم 2، وتدابير
بديلة نص عليها في المادة 18، وهي الخاصة بالحبس الاحتياطي، وتضمن القانون 7
عقوبات بديلة، وهي: العمل في خدمة المجتمع، والإقامة الجبرية في مكان محدد، وحظر
ارتياد مكان أو أماكن محددة، والتعهد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات
معينة، والخضوع للمراقبة الإلكترونية، وحضور برامج التأهيل والتدريب، وأخيرًا
إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة.
وعثرت في بحثي على خبر لمحامين يطالبون بإصدار آليات لتنفيذ نصوص
القانون، لكن من يقرأ مواد القانون يجد أنها تطرقت لتلك الآليات، وما يؤكد ذلك هو
صدور أحكام في هذا الشأن، فضلاً عما ورد بالمادة 13 من القانون، بأنه «يجوز لمؤسسة
الإصلاح والتأهيل أن تطلب من قاضي تنفيذ العقاب استبدال العقوبة الأصلية بعقوبة
بديلة، ولمدة تساوي باقي العقوبة وبحسب شروط» فصلتها المادة، ويفصل القاضي في ذلك
بعد سماع أقوال النيابة العامة والتي لها الحق في الاعتراض.
كما أن القانون يرفع من على كاهل وزارة الداخلية وإدارة السجون الكثير
من العبء بشأن المحكومين الذين يقضون عقوبات يمكن الاستعاضة عنها بالعقوبات
البديلة، إلا أنه يضع المسؤولية على الداخلية في متابعة تنفيذ تلك العقوبات، وتحت
إشراف النيابة العامة، وفي هذا الشرط الأخير تطبيق عملي لمبدأ فصل السلطات وآليات
تنفيذ القوانين.
من المؤكد أن السجون لا تأتي بالحل النهائي في كثير من القضايا، وأن
عقوبة السجن ربما تجعل من حديث العهد بالسجن محترف في بعض قضايا الإجرام في
المستقبل، خاصة وأن بعض السجون تمثل ملتقىً للمجرمين يستهدفون فيه بناء مجتمع خلفي
لهم، يحاول من خلاله هدم الأسرة والدولة والمجتمع بأكمله، فضلاً عما يصيب الأسرة
من معاناة كبيرة في تواجد أحد أفرادها خلف القضبان.
وبالإضافة إلى أن عقوبة الحبس ليست الحل الأمثل، فإنها تمثل أيضا
عبئًا على ميزانية الدولة، فالمحكوم بالسجن يكلف خزينة الدولة ما بين 5 إلى 15
ديناراً يوميًا، موزعة بين الأكل والمأوى والحراسات وغيرها من الأمور الأمنية،
لذلك كان لا بد من إيجاد حلول بديلة عوضا عن استنزاف ميزانية الدولة، بالإضافة الى
الآثار السلبية لدخول أحدهم السجن، ليس على مستقبله فقط، كونه أخطأ مرة واحدة في
حياته ولكن تأثيرها على جميع أفراد العائلة.
لذلك أجد ( وهذا في رأيي المتواضع) في العقوبات البديلة بارقة أمل
لكثيرين ممن قبعوا في السجون وظروفهم لا تسمح بتلك العقوبة، وأؤكد أنها ستحافظ على
استقرار الأسرة البحرينية، وفق رؤية قاضي تنفيذ العقاب ومشورة النيابة العامة، ومتابعة
وزارة الداخلية، ووجود النيابة العامة كحلقة وصل بين القضاء والداخلية لتطبيق هذا
القانون المفعم بالأمل وتصحيح الضرر.