الأمر الجليّ لأي متابع لتاريخ منظمة الأمم المتحدة، هو هلامية مواقفها في القضايا العربية والشرق أوسطية، والتجاهل التام للعديد من القضايا الإنسانية وتنحية القانون الدولي جانبًا في أمور تهم القوى العظمى، بينما يعود كعصا في وجه الدول الأخرى، ولن يسعنا في هذا المقام الولوج إلى هذا التاريخ الباهت على مستوى القانون الدولي، المتخاذل على الصعيد الإنساني، المتناغم مع مصالح الدول صاحبة حق الفيتو.
فقد باتت الأمم المتحدة تمثل ناديًا يلتقي فيه الأعضاء المشتركون ليتحدث كل منهم عن مشاكله ومصالحه، ثم يقرر صاحب النادي في النهاية، من الأجدر بالرعاية الرسمية، وعادة ما تكون الدولة الصهيونية، في مواجهة فلسطين والعرب.
سئمنا كثيرًا من هذه الترهات التي نسمعها وتتكرر سنة بعد أخرى وأصابنا الضجر من إعادة إنتاج المسرحية كل عام مع توزيع للأدوار ودخول ممثلين جدد بدلاً من المستهلكين سياسيًا وإعلاميًا، ولم يكن الأمين العام المستجد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إلا البطل الجديد لتلك المسرحية، فيأتي ليمثل دور المعرب عن قلقه خلفًا لبان كي مون الذي رأى فيه الشخص المناسب لمهمة التعبير عن القلق بعد رحيله.
ولمن لا يعرف أنطونيو غوتيريس، فهو سياسي برتغالي تقلد منصب رئيس الوزراء في التسعينات وحين أخفق كسياسي في بلده، لجأ للعمل الدولي، حيث تولى منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بتوصية من الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، وكرَّس غوتيرس مفهوم العمل الإنساني بوجهة نظر مصالح أوروبا، فرغم عمله كمفوض سامٍ لشؤون اللاجئين، إلا أنه كان يدافع عن المهاجرين لأوروبا ليس من موقف إنساني بل من منظور مصالح الدول الأوروبية، حين قال «إن القارة الأوروبية بحاجة إلى مهاجرين»، وكشف تصريحه للعالم نواياه ليس كممثل للإنسانية الضعيفة، بل الباحث عن مصالح الأوروبيين في إيجاد عمالة رخيصة او مجانية، ولذلك استحق المنصب الأممي الأعلى عن جدارة.
والذي يؤكد أن غوتيرس لا علاقة له بمفوضية شؤون اللاجئين، هو تعامل الأمم المتحدة مع الوضع في اليمن، والذي يمكن وصفه بالمتخبط وغير المعبر عن القرار الأممي 2216 المعتمد على المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني لحل الأزمة، فالموظفون الأمميون لا يتحركون في اليمن إلا وفق تعليمات أمنية مشددة، وبالتالي يكون الاعتماد بشكل شبه كلي في البحث عن المعلومة او إيصال المساعدات على مؤسسات المجتمع المدني المشبوهة او القطاع الخاص الذي يسعى لتوقيع عقود مع الأمم المتحدة لإيصال المساعدات، وغالبا ما تكون شركات النقل التابعة لتجار موالين لقوى الانقلاب، وهو ما يسهم بشكل أو بآخر في دعم اقتصاد قوى الانقلاب في مواجهة السلطة الشرعية.
ومن المستهجن أيضا في موقف الأمم المتحدة وأمينها هو السكوت عن الوضع الانساني المأساوي في تعز وكما حدث في مضايا بسوريا، وتجاهل ذكر الأسباب الحقيقية لعدم وصول المساعدات، وهو انتشار نقاط التفتيش التابعة للمليشيات خارج ضواحي تعز، فقد سبق أن سمحت قوات التحالف لشاحنات عديدة للوصول إلى تعز، إلا أنها لم تدخل للمناطق المحاصرة ووزعت على الأرياف المحاذية وهي مناطق موالية للانقلابيين.
الأمور تتفاقم في اليمن بسبب تخاذل الأمم المتحدة وكما حدث في سوريا، حيث وقفت المنظمة الأممية كمتفرج على نزوح ملايين من البشر من مناطقهم، والمأساة مازالت تواصل طحن من تبقى من السوريين، والآن جاء الدور على اليمن لتدفع ثمن صمت مفوض شؤون اللاجئين، ومن حصار مضايا وقتل شعبها، إلى حصار تعز، تبقى الأمم المتحدة إدارة تنفيذية لمصالح أصحاب القوى العظمى، ولا نعلم أي مدينة عربية ستحاصر بعدهما.