لم تنكر أي دراسة عالمية الدور الكبير الذي يقوم به التعليم في تقدم الدول وازدهارها، والأمثلة على ذلك كثيرة سواء في دول أوروبا أو شرق آسيا مثل اليابان وماليزيا وسنغافورة، فلم يكن لدى الأخيرة أي موارد طبيعية أو مميزات بل إنها كانت توصف بالمستنقع الذي لا يصلح سوى لمكب للنفايات، ولكن إصرار رئيس الوزراء لي كوان يو وتركيزه على التعليم ارتفع بها لتصبح ضمن العشرة الاوائل لأكثر أسواق المال العالمية وأعلى مستوى لدخل الفرد «31 ألف دولار سنوياً في 2017، أي حوالي 1000 دينار بحريني شهريًا!».
والبحرين ركزت
منذ نشأتها على التعليم وكانت الأولى خليجيًا في تعليم الرجل ومن ثم المرأة، ومازالت
تحرص على تطوير المنظومة التعليمية باستمرار لتكون مرتكزًا للمستقبل.. ولكن: كيف لدولة
تبحث عن التقدم وتدرك أن التعليم هو البنية التحتية لها، أن تسمح لغير الحاصلين على
أدنى درجات علمية أن يكونوا ممثلين للشعب، أليس هذا الأمر يتعارض مع العقل والمنطق؟.
هل يصح أن يكون
نائب الشعب دون المستوى العلمي الذي يؤهله لأن يدافع عن حقوق الشعب، وهل المخرجات التي
تصدر من مجلس به نسبة كبيرة من النواب لم يصلوا إلى مقاعد الدراسة الجامعية، يمكن أن
تبني مستقبل الدولة، وهل يمكن أن تكون إحدى السلطات الثلاث فاقدة لأدنى مستوى من التعليم،
وكيف لها أن تراقب السلطة التنفيذية بكافة إمكانياتها من خبراء ومستشارين على أعلى
مستوى من التعليم، وكيف سيحاسب فاقد الأهلية أهل العلم.
ولعل الأخبار والتقارير
المتابعة لعمل البرلمان تستحوذ على قدر كبير من اهتمام ومتابعة المواطن أو من مجلس
الشورى الذي دائما ما يجد بعض الثغرات في القوانين بسبب تواضع المادة العلمية فيها
أو قصورها.
لقد بات من الملح
في الوقت الراهن إعادة الاقتراح الخاص بوضع شرط الحصول على مؤهل جامعي للترشح للمجلس
النيابي، خاصة مع ما شهدناه من الأداء الهزيل والتخبط المربك في بعض مشروعات القوانين
والمقترحات، ومناقشة ميزانية الدولة، بل إن المشروع يجب أن يطبق على كلا من المجلس
النيابي والبلدي، فكلاهما يتحمل مسؤولية بناء الوطن، ولا يستطيع عديم الخبرة العلمية
أو العملية أن يضع أسساً قوية يتكئ عليها الجيل الحالي والأجيال القادمة، كقواعد قانونية
وتشريعية تؤسس لدولة متحضرة.
وعندما اعترض بعض
النواب على المشروع وتم وأده قبل أن يولد، كانت ذريعتهم هي آلية التعامل مع النواب
الموجودين في المجلس من غير الحاصلين على درجات علمية، لكن لم يلتفت أحد إلى مستقبل
البحرين وأن المجلس التشريعي هو أخطر سلطة يجب أن تؤطر في ضوابط صارمة لا تجامل أحداً.
وعندما نعود إلى
أسباب نجاح دول مثل سنغافورة واليابان نجدهم يحترمون القوانين ويطبقونها بصرامة، دون
مجاملة لأحد بسبب منصبه أو مكانته القبلية او الاجتماعية، بينما نحن نصنع القوانين
لنطبعها في الكتب ونوزعها على أنفسنا، ثم نحيلها إلى الأرفف ونستبعدها من التطبيق.
المشكلة في هذا
المقترح أنه لن يجد من يدافع عنه في البرلمان، لأن المصلحة الشخصية تطغى على مصلحة
الوطن، وينظر كل نائب إلى مدى تضرره واستفادته من المقترحات والقوانين قبل طرحها للمناقشة،
ولن يضحي أحدهم من أجل البحرين ويقف مع المشروع الذي ربما سيطيح بنصف النواب وثلثي
المترشحين، فما السبيل للوصول إلى صيغة تقنع أصحاب السعادة بأن يعملوا لمصلحة الوطن
ويقبلوا التضحية؟.