عندما كتبت الأسبوع الماضي عن عيد الأضحى والحج وشروطه بألا تكون ضغينة بين الحاج وأخيه المسلم، وصلتني الكثير من الرسائل التي ناقشت الموضوع من كافة جوانبه، فهناك من أثنى وآخر أوجد لنفسه عذرًا أن يتوجه إلى بيت الله الحرام وهو على خلاف مع أخيه، هذا بالإضافة إلى بعض القصص التي أراد أصحابها الشكوى مما يحدث في مجتمعنا المعروف بالتسامح والتراحم.
لا شك أن البحرين تتمتع بخصوصية حباها الله في عباده البحرينيين وكنا نفتخر بها ونراها في تعليقات كل من زار البحرين وتعامل مع أهلها، فنحن أهل خير ومودة ومحبة مع الغريب قبل القريب، لكن التطور المجتمعي والتكنولوجي والحداثي كانت له إيجابياته، إلا أن سلبيات لحقت به ولوثت تلك الإيجابيات وبدأت تترك أثرها على المجتمع في ظهور الخلاف لأسباب تافهة، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي إحدى هذه الساحات الملوثة بهذا المرض الخبيث.
فبينما استطاع كثيرون استغلال التكنولوجيا والتطور في تنمية المجتمع ونشر الخير والموعظة عبر كافة وسائل التواصل، إلا أن البعض (مع الاسف الشديد) جعلها ساحة احتراب كلامي ومشاجرات في الفضاء الافتراضي، تنتقل بعدها إلى أرض الواقع وتصيب أناسًا بالأذى حتى وصل الأمر إلى حدوث جرائم بسبب هذه المواقع، ولدينا الكثير منها في قاعات المحاكم يتم تداوله، والحكم فيه على المتهمين وزجهم في السجون إلى جوار المجرمين، وبعدما يصل الإنسان إلى مستقره في السجن، يبدأ في مراجعة أفعاله فيجدها بدأت بفضاء افتراضي وكلام فارغ كان من الأفضل فيه الصمت وإبعاد لوحة المفاتيح للحظات عن أصابعه.
ولم تكن المحاكم ترى هذا الكم من قضايا المشاجرات والسباب والقذف، ولم يكن لها أن تصل إلى قاعاتها، وبات الأمر فيضانًا من ملفات قضايا تزدحم بها المحاكم ويضج بها القضاة للفصل بين اثنين سب كل منهما الآخر أو اعتدى عليه بالضرب فلم يحدث فيه إصابة تتطلب الوصول لهذه المرحلة من فصل النزاع.
ويحكي لي صديق محام ما يراه يوميًا في عمله بالمحاكم الجنائية من قضايا يصفها بـ «التافهة» بين أشخاص لم يكن لهم أن يوصلوا الخلافات للمحاكم، ويقول إن عشرات من قضايا السب والقذف والمشاجرات، ينظرها القضاة وتستهلك وقتهم دون أدنى فائدة، فضلاً عما تتطلبه من أوراق وتحقيقات وحراسات وكهرباء وحضور ومحاماة وتأجيل واستماع لأقوال المتنازعين حول أمور مضحكة تعطل معها نظر قضايا وجرائم أكثر أهمية وتتطلب الفصل العاجل وإحقاق العدل.
نعم يجب إعمال القانون في الفصل بين الناس، وتطبيق العدالة، لكن السؤال الأهم، هل من العدالة تعطيل تطبيق العدالة في جرائم كبيرة وتؤثر في المجتمع كافة، في مقابل حل مشكلة بين شخصين؟، ولماذا لا يتم إنهاء تلك المشاكل قبل أن تصل إلى المحاكم ولو بإيجاد مكتب «للتوفيق الأخوي» مثل نظيره للتوفيق الأسري، أو إنشاء إدارة للدعوى لحلها بسرعة درء لتعطيل المحاكم.
وعلى الناس أن تفكر بروية قبل إيصال الأمور لمراحل متقدمة توسع من هوة الخلاف الذي ربما يمكن حله بوساطة أحد الأصدقاء أو الإخوان، فما يصل للمحاكم منها لا يرجع حقوقًا مادية إلا لخزينة الدولة، لأن الأحكام تكون غرامات وكفالات، فهل يفكر الإنسان قبل التصعيد؟
الغضب في لحظاته الأولى يمكن أن يصل بالإنسان إلى أبعد مما يتصور، وفي وقته يشعر المرء أنه القادر على الانتقام وأخذ ما يتصور أنه حقه، بينما لو فكر قليلاً وراود نفسه الأمارة بالسوء أن تتريث قليلاً، لجنب نفسه ومستقبله أمورًا وعواقب وخيمة.
* رئيس منظمة الوحدة العربية الأفريقية لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب