كل عام وأنتم بخير، وللذين حالفهم الحظ هذا العام بحج البيت ندعو لهم بالحج المقبول والذنب الغفور، وأن نكون من المحظوظين في العام القادم لحج بيت الله، تقبل الله منهم أعمالهم ونسكهم، وغفر ذنوبنا وذنوبهم، ورزقنا وإياهم الجنة.
ولعل العيد هو
المناسبة التي تأتي مساحةً لطيفةً لمحو الذكريات السيئة والعفو والتسامح مع الآخر ونسيان
الأخطاء، والتصالح مع من اختلفنا معهم واختلفوا معنا، فعلى الرغم من نص الحديث النبوي
القائل: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال»، إلا أن نسبة ضئيلة من الناس في
هذا الزمن تنفذ ما ورد بالحديث الشريف، بل يمكن القول بثقة إنه بات من المستحيل وجود
أشخاص متسامحين باحثين عن المصالحة والعفو بعد الخصام، ولكن فريضة الحج اشترطت على
كل من يرغب في أن يكون حجه مقبولاً، إبراء الذمة والمصالحة مع الآخر.
وكثير من خلافاتنا
تأتي بسبب سوء الظن والجفاء والابتعاد عن المتخاصم معه، والسماح للظنون السيئة أن تقيم
جبالاً من الغضب والحقد والضغينة، دون أي وجود لها على أرض الواقع، فقد ذكر أحدهم أنه
بينما كان يسير في الطريق، تلقى ضربة ﺑﻌصا ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻒ ﻓﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻐﻀﺐ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻭاﻟﺘﻔﺖ ليبدأ
مشاجرة مع الشخص الذي ضربه، إلا أنه تفاجأ برجل ضرير يتحسس ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺑﻌﺼﺎﻩ، ﻓﺘﺤﻮﻟﺖ ﻣﺸﺎﻋﺮ
ﺍﻟﻐﻀﺐ لديه ﺇﻟﻰ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺷﻔقة، ﻭبدلاً من أن يرد الضربة بمثلها، قام بمعاونته على عبور
الطريق، كذلك هي ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻐﻴﺮ ﻓﻬﻤﻪ ﻭﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﻟﻠﻤﻮﺍﻗﻒ، فكلما زاد الجفاء،
ستبدأ الظنون في إحلال الخيال السيئ مكان القصد الحسن.
ويبدأ الإنسان
في تنمية الكراهية لديه من الآخر، ويأتي بعد ذلك قطع الأرحام والصلات وظلم الناس دون
وجه حق، وأذكر هنا مثلاً ضربه الشيخ الشعراوي عن تلقي الإنسان لخبر ما، قائلاً إن رجلاً
حضر إليه ولده مضرجًا بالدماء، فسأله من فعل بك هذا، وأوضح الشيخ الفضيل أنه لو كان
الفعل من شخص لديك بعض الظن السيئ عنه، فستبني قناعاتك على أن ما حدث كان مقصودًا حتى
ولو كان حادثًا عارضًا، أما إذا كان الفعل من شخص قريب أو صديق حميم، فسيفترض الوالد
أن ابنه قد أخطأ ولن يظن في قريبه سوءًا، قبل أن يشكك فيما فعله الولد.
الغاية من ذكر
هذه الأمور هو ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ والحرص على عدم التسرع في إطلاق الأحكام، فكم ﻇﻠﻤﻨﺎ ﺃﻧﺎسًا
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺼﺪﻫﻢ ﻣﺎ ﻓﻬﻤﻨﺎﻩ، وكم حكمنا على أمور بدت لنا غير حقيقتها، وكل ذلك بسبب سوء
الظن وانعدام العفو والتواضع وبدء السلام ومحاولة حل الخلاف ولو كنت مظلومًا من أخيك
أو صديقك، فيمنعك الكبرياء أن تبدأ بالسلام والتحية، وهذا لن يحدث في عصرنا هذا إلا
بوساطة، وقليلاً ما تجد الوسيط الحريص على حل خلافات الأصدقاء، فالجميع انشغل في حياته،
بل إن كثيرين يريدون للخلافات أن تشتعل وتصبح حديث المجالس والسهرات، ثم جاءت مواقع
التواصل الاجتماعي، لتعطي مساحة لا محدودة في بث الفرقة والكراهية وتأجيج النار بين
الناس.
نصيحة لكل من اختلف
مع صديق أو قريب وباعدت بينهما التجاذبات والظنون؛ ابدأ بالعفو ولو من داخلك عمن ظلمك،
واجعلها قناعة في صدرك أنك عفوت عنه، واستغفر الله كثيرًا، وسبحه، فقد قال تعالى:
«ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبّح بحمد ربك وكن من الساجدين»، وقال أيضًا:
«فاصبر على ما يقولون وسبح بحَمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح
وأطراف النهار لعلك ترضَى».