استبقني وآخرون صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه، صاحب الفكر الثاقب والعقل المستنير، وقبل أن أبدأ في كتابة هذا المقال، بإصدار توجيهاته السديدة إلى وزير الصناعة والتجارة للاجتماع مع غرفة تجارة وصناعة البحرين، ومناقشة قرار رفع رسوم السجلات التجارية المقرر سريانها 22 سبتمبر القادم للوصول إلى تفاهم بشأنها، وهو كعادته يسبقنا بسنوات ضوئية في التفكير والرؤية.
ولقد ناقش العديد من الكتاب والمثقفين والاقتصاديين
قرار رفع رسوم السجلات وتناوله الجميع بالنقد الشديد، نظرًا للارتفاع الجنوني غير العادل
في نسبة الزيادة، والتي بلغت في بعض الأحيان 50 ضعفًا مما كانت عليه، ولا اعتقد أن
التفاهمات ستصل بين الغرفة والوزارة للعودة إلى نقطة الـ«20 دينارًا» ولا حتى الـ«50
دينارًا»، وهو ما أكده سعادة الوزير في الاجتماع الأول بأن القرار «نافذ» كطعنة السكين
في قلب أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبناءً عليه ستظل الأمور مع الاسف الشديد
كارثية وقد تغلق العشرات وربما المئات منها.
لكن دعونا ننظر إلى زيادة الرسوم من الجهة
الأخرى، والذي أقصده هنا، هو الرسوم على المخرجات، وليس المدخلات، أو بمعنى ووصف دقيق
للكلمة التي يخشاها جميع المسؤولين، فرض «ضرائب» على أرباح السجلات، وأنا أعلم بأن
هذه الكلمة غير محبّبة بتاتًا وخاصة لدى كبرى الشركات والمؤسسات ذات الارباح العالية.
وللمزيد من الشرح.. لماذا لا يتم فرض ضرائب
صريحة ومباشرة على أرباح المؤسسات الاقتصادية بدلاً من فرض رسوم قبل التشغيل والانطلاق
والعمل؟ فبهذه الطريقة يسمح للجميع بإنشاء سجلات وإطلاق مشروعاتهم كيفما شاؤوا، وعندما
يصل المشروع إلى مرحلة معقولة من الربحية، تحتسب ضريبة ضمن شرائح مثلها مثل ضرائب الدخل
المتبعة في كثير من الدول.
إن استحصال رسوم قبل الحصول على أية ثمار
للمشروع لن يفيد أحد، فلا صاحب المشروع سيبدأ عمله ولا الحكومة ستحصل على الرسوم، ولن
يتم توظيف العاطلين عن العمل، وستعود الدولة لصرف أضعاف ما جمعته من الرسوم لتوظيف
صاحب المشروع ومن كان سيوظفهم.
بمعنى أوضح، إن فرض الرسوم أكثر كارثية
من فرض الضرائب، لأن الأخيرة ستمنح كل صاحب مشروع المساحة العادلة من الإبداع وبذل
الجهد لكي يصل للربحية، وعندها يمكن أن تشاركه الدولة في تلك الأرباح بنسبة معقولة
يتم الاتفاق عليها، لكن زيادة الرسوم ستجعل الكثيرين ممن يفكرون في البدء بمشروعاتهم
يحجمون عنها ويبدأون في البحث عن الوظائف الحكومية والضغط على الدولة، بينما عند السماح
للجميع بالانطلاق بحرية دون كوابح وعوائق، فسيتم خلق وظائف وضخ أموال في السوق، وتبدأ
عجلة الاقتصاد في الحركة.
ما يحاول المسؤولون الآن تطبيقه لا ينبئ
بأي تفاؤل، فالمزيد من الرسوم يعني انكماش في السوق، ويمكن للمسؤولين العودة إلى عام
2006، وإعادة قراءة التاريخ، عندما تم تحديد رسم تجاري مخفض موحد لجميع الأنشطة التجارية
بمقدار 20 دينارًا، انطلقت الكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السوق البحريني،
واستطاعت نسبة كبيرة منها التوسع واستقطاب العاطلين عن العمل، وانتعش السوق بشكل كبير.
كلمة أخيرة للسادة المسؤولين، حيث لوحظ
أن لديهم حساسية مفرطة من كلمة «ضرائب» بينما يرون مصطلح «الرسوم» حلالاً طيبًا مباركًا
فيه، وكثيرون أنكروا في تصريحات صحفية علاقتهم بكلمة «ضرائب» وكأنها جريمة يعاقب عليها
القانون، ولذلك أدعو من هذا المقال الدولة إلى النظر في فكرة فرض الضرائب، وإلغاء الرسوم،
واتركوا الجميع يبدع ويعمل وينشئ ما يشاء من مشروعات ولينجح من ينجح وليفشل من يفشل،
وعند النجاح يمكن للدولة المطالبة بنسبه معقولة من الارباح، وعندها لن يرفض أحد أن
يشارك نجاحه مع الآخرين، وهي نفس فكرة الزكاة، فلا تفرض على من ليس عنده مال، بل على
كل «قادر»، جعل الله جميع المواطنين من القادرين لا المعوزين.