محافظات
«صدى العرب» فى مواجهة السرداب المظلم
الثلاثاء 10/نوفمبر/2020 - 05:11 م
طباعة
sada-elarab.com/552139
حكايات البحث عن الكنوز تحت التراب لا تتوقف بمحافظة أسيوط.. وملايين الجنيهات لبخور الدجالين
العديد من التساؤلات تفرض نفسها بقوة حول الوهم الذى داهم البشرية بالآونة الاخيرة مما ادى الى خراب البيوت وتدمير الأسر المصرية وفتح طرق للفساد والدمار، ويظل هذا السرداب المظلم أبرز حيل الدجالين ,والبحث عن الثراء السريع بالتنقيب عن الآثار وباء انتشر فى قرى ومدن أسيوط فى السنوات الاخيرة، ودفع العشرات من الشباب حياتهم ثمنا للبحث عن السراب كما تعرض الآلاف من أبناء المحافظة للنصب على يد الدجالين بزعم استخراج وسحب الآثار من أسفل منازلهم مما جعلهم ينفقون ملايين الجنيهات فى التنقيب، وأدى التنقيب إلى انهيار العشرات من المنازل، وهبوط أرضى فى بعض شوارع مدينة أسيوط، وزادت عمليات النصب باسم أجهزة كشف المعادن فى محافظة أسيوط خلال الفترة الأخيرة، وناقشت جريدة "السوق العربية" مع بعض المواطنين والمختصين بمحافظة أسيوط هذه الظاهرة التى تعد الأخطر على المجتمع والحضارة المصرية خاصة أنها ترتبط بـ أحلام الثراء السريع ومحاولات ركوب قطار الأغنياء.
من جانبه يقول الدكتور على حسين الخبير الأثرى وأستاذ بكلية الآثار جامعة المنيا سابقا، إن التنقيب عن الآثار يسير فى اتجاهين، الأول: هو الاتجاه الرسمى والشرعى والذى يؤكد عليه فى قانون الآثار والمواثيق الدولية، حيث إن القانون رقم 177 لسنة 1983 وتم تعديله عام 2010 تقوم البعثات الرسمية سواء كانت أجنبية أو مصرية أو عربية بالبحث والتنقيب عن الآثار تحت إشراف وزارة الآثار, أما الاتجاه الثانى، فهو التنقيب غير المسموح به قانونا وهو ما يعرف باسم "الحفائر غير الشرعية أو الحفائر الخلسة"، وهذا النوع من الحفائر الغرض منه الحصول على الكنوز الأثرية وتهريبها إلى الخارج مقابل الحصول على الأموال بغرض الثراء السريع، ويبرر هؤلاء بأن هذه الآثار تقع فى حيازتهم أو بمعنى آخر أنها فى تعداد ملكيتهم الخاصة سواء كانت أراض زراعية أو عقارات. ويضيف "هذا التبرير لا أساس له من الصحة، باعتبار أن أراضى مصر كلها أثرية ما لم يثبت العكس، وبالتالى فإن باطن الأرض وما يحويه الجهة المالكة الوحيدة له هو الشعب المصرى سواء الجيل الحالى أو الأجيال اللاحقة، أما هذه الادعاءات بالملكية فإنها غير صحيحة تماما، فهل معنى ذلك، أن أى شخص يعثر على البترول أو الغاز فى أرضه أو أسفل منزله يعد ذلك مبررا لملكيته.
وأضاف الدكتور حسين ان لا علاقة للآثار بما يعرف باسم الكنوز المخفية أسفل الجدران ولها أسس وضوابط فى الفقه الإسلامى، فهناك بعض رجال الدين أفتوا سابقا بأن العثور على أية آثار فى أرض أو عقار ملكه أصبحت ملكا له، الأمر الذى شجع الكثير على الحفائر الخلسة، وهذا الأمر غير صحيح ولا علاقة له بالشرع والقانون، الأمر الذى أدى إلى الكثير من الحوادث المؤسفة وعدد كبير من الوفيات والإصابات.
ولفت أستاذ الاثار إلى أن البعض يلجأ إلى تجلى شيخ من الشيوخ سواء كان مصريًا أو مغربيِا يتردد عبر وسائل الإعلام المختلفة، بوهم أن هذا العقار أو هذه الأرض به كنز مرصود، وأنه فى استطاعته فك هذا الرصد، فمن هنا تبدأ الأكذوبة ويكون الغرض منها حصول هؤلاء الشيوخ وأمثالهم على الأموال، وهو ما يدخل فى نطاق عمليات النصب والاحتيال.
وأشار الدكتور يوسف بطرس مدرس الآثار بجامعة اسيوط الى هوس تنقيب الآثار واللهث وراء الثراء السريع طالما أن هناك ضعاف نفوس، لذلك يجب توعية المجتمع بعد الحفر والتنقيب بحثًا عن الآثار وتنفيذ القانون، بعد أن تم تغليظ العقوبة ليكون عبرة وثوابا وعقابا، فهناك الكثير من ضحايا التنقيب عن الآثار سواء كان المصير الموت أو النصب والاستنزاف المادى، وفى كل الأحوال، فإن من يسعى إلى ذلك فهو خاسر، لأنه حتى ولو تمكن من الحصول على الآثار المدفونة، فإنه لا يستطيع تسويقها.
وأوضح الدكتور مجدى النشار بجامعة أسيوط ايضا ان التنقيب على الآثار هو تعدى على الدولة اولا وحقوق الدولة أما المنقب على الآثار لا يحترم المقابر وبمن بها من موتى وينتهك حرمة الأموات وهذا غير إنسانى وغير قانونى لأننا من الواجب احترام حرمة الموتى والمقابر وجميع الاديان السماوية لا تصرح بذلك بل تحرم ذلك الانتهاك غير الادمى.
ويضف النشار أن التنقيب عن الآثار حرام شرعا، حيث إن تلك الآثار ليست مملوكة للشخص، حتى إن كانت الأرض أو العقار مملوكا له، طالما تدخلت بها اليد البشرية، لكن الوضع يختلف لو وجد الشخص ثروة طبيعية، وقد نص القانون على أن الآثار هى أموال عامة ملك للدولة والشعب، لذلك لابد من ترك الآثار والحفاظ عليها كما تركها لنا أجدادنا. مشيرا الى انتشار كثرة التنقيب والحفر والاكاذيب فى الفترة الاخيرة ادت الى الموت لكثير من الناس. وتابع المهندس ياسر عمر رئيس جمعية المحافظة على التراث المصرى بأسيوط، إلى أن هناك مافيا للتنقيب عن الآثار لدرجة قيامهم بالإعلان عن أجهزة المسح الخاصة بالكشف عن الأجسام الصلبة تحت الأرض، على الرغم من أن ثمن هذه الأجهزة يصل إلى أرقام فلكية، ويتم تسعيرها على حسب كشف المدى. وكشف عمر عن أن تجارة الآثار فاقت تجارة المخدرات بل أصبحت الأهم والأكثر والأسهل ربحا وثراء، وقد أصبح التنقيب سهلا طالما أن هذه الآثار غير مسجلة وتم خروجها من مصر وبيعها، الأمر الذى يمثل خطورة السعى لطمس الهوية المصرية، ومصر تمتلك ثلث آثار العالم، وأن الأرض المصرية عائمة على الآثار. وشدد عمر، على ضرورة رفع درجة الوعى لدى المجتمع، فهناك شيوخ قد أفتوا بأن كل ما تجده أسفل منزلك أو أرضك فهو ملكك، كذلك الادعاء بأن التماثيل من الأصنام، لذلك بات من الضرورى التوعية والاهتمام بالتعليم لزرع روح الانتماء والتركيز على أهمية الحضارة المصرية، بالإضافة إلى التوعية فى المجتمع الذى يعيش بجوار المناطق الأثرية، خاصة المناطق الغير مشهورة بآثارها، حتى لا يقع فى براثن مافيا بيع والتنقيب عن الآثار وتهريبها، ولذلك من الضرورى، تفعيل دور المجتمع المدنى، للتوعية بأهمية الحفاظ على الآثار والحضارة المصرية, موضحا أن القطع التى تخرج من باطن الأرض بطرق غير مشروعة تفقد نصف قيمتها تقريبا بسبب طريقة الحفر الخطأ، وإن تاريخ أى أثر يتم على أساس الطبقة الأرضية التى وجد فيها، والمنطقة التى عثر عليه فيها، وفى حالة عدم وجود معلومات كافية تقاس بحسب الظروف المحيطة بالمكان.
ويرى حسين ابراهيم محامى أن القانون وحده لا يكفى، والأمر يحتاج إلى وعى مجتمعى بقيمة وأهمية الآثار، إلى جانب تشجيع الدولة للأفراد على تسليم ما يجدونه عن طريق الحفر بأن تخصص مكافآت مجزية لهم. ويوضح الدكتور سعيد حلمى صادق أستاذ الاجتماع السياسى، أن اللهث وراء جمع الأموال والثراء السريع السبب الأول للتنقيب عن الآثار، فهناك العديد من العصابات والعملاء بالداخل والخارج وسوق خارجية، والتشجيع على ذلك يأتى بأن تلك الآثار غير مسجلة، وأن أغلب مناطق المشهور عنها بالتنقيب عن الآثار فى الصعيد .
ولفت أستاذ علم الاجتماع السياسى الى أن العقوبات غير رادعة، لأن هناك بالفعل ثقافة تمهد لهذا الدافع للثراء السريع، فضلا عن وجود مافيا الاتجار بالآثار فى مصر، والأخطر أن الآثار جزء من فساد على أعلى المستويات مدعومة من الخارج وتواطؤ من الداخل، وذلك نتيجة إلى عدم وجود عقوبة رادعة، لذلك لابد من أن تعدل القوانين وأن تتقدم الحكومة بمذكرة لتغليظ عقوبة الاتجار والتنقيب عن الآثار بطرق غير مشروعة، وجعل العقوبة كعقوبة الخيانة العظمى، وذلك لأهمية الآثار باعتبارها أمنا قوميا. وعن الأسباب التى تدفع هؤلاء إلى هذه المخاطرة، استبعد أستاذ علم الاجتماع، أن يكون لسوء الأحوال الاجتماعية وانتشار الفقر فى الصعيد, دافعا فى الدخول إلى حقل التنقيب عن الآثار، لأن غالبية العاملين فى هـذا المجال مــن الطبقة المتوسطة، ومواجهة مثل هذه الأعمال المنافية للقانون تحتاج إلى تنشئة اجتماعية، وتطوير على المنحى التربوى، إضافة إلى العنصر الأمنى الذى يلعب دورا كبيرا فى الحد من انتشار هذه الأمور”.
ومن الجانب الأمنى يقول اللواء ياسر كدوانى عضو مجلس النواب ورئيس لجنة تقصى الحقائق بمجلس النواب أن القانون يجرم عمليات التنقيب عن الآثار للأفراد والهيئات غير الرسمية بالحفر والتنقيب، ولكن أجاز ذلك للبعثات الرسمية فقط وذلك بنص القانون، لوزارة الآثار استجلاب البعثات الأجنبية للمساعدة فى البحث والتنقيب عن الآثار تحت إشرافها، وأن كل ما يتم استخراجه من باطن الأرض هو ملك للدولة، فالقانون نص على اعتبار التنقيب عن الآثار جناية، لكن الهوس بالبحث والحفر والتنقيب هو سلوك إنسانى بحت. وأضاف كدوانى انه ما تم بغرب أسيوط بسقوط ثلاثة منازل وموت ثلاثة افراد من اسرة واحدة هى إهدار للمال العام وإهدار للاقتصاد القومى المصرى.
ويرى المواطن ابراهيم على ابراهيم من أسيوط إن ما يحدث فى شوارع المحافظة تحولت الى خرابات بسبب التنقيب عن الآثار واصلا مفيش الكلام ده لأنه الحاجات دى موجودة فى أماكن معينة ومخصصة فعندنا بالحارة حدث هبوط أرضى، و رأيت بعينى دخول أشخاص بالليل فى المنزل الذى انهار بجوارنا وعدم خروجهم منه إلا بعد فترة طويلة وحدوث أصوات بداخله ولكن لم أستطع تحديد ما يفعلونه بداخل المنزل، حتى وقع حادث الانهيار، وعلمنا أنهم لقوا مصرعهم أسفل أنقاض المنزل وهذه ليست الحادثة الأولى فهناك كل شهر حادث بسبب التنقيب.
وقالت سيدة من مركز البدارى رفضت ذكر اسمها أن زوجها أصيب بهوس البحث عن الآثار منذ سنوات طويلة دون العثور على شىء وتسبب فى الخراب والديون ومهدد حاليا بالسجن لتعثره فى سداد ديونه من البنوك، قالت أنه مشى وراء العارفين وكل شوية يجى واحد يقول له فى مكان كذا يوجد آثار ويبدأ فى الحفر ويصرف مبالغ كبيرة وفى الاخر ما يلاقيش حاجة لحد ما دمرنا كلنا والعيال ضاعت واستدان لطوب الأرض .
ولفت الحاج عطية حسن من البدارى انه منطقة عزبة يوسف والهمامية غنية بالآثار والمقابر الأثرية وتعرضت من زمن بعيد للسرقة ومازال الحالمون بالثراء السريع يبحثون عن الكنوز المخفية بهذه المناطق الأثرية ويصرفون ملايين الجنيهات على بخور الدجالين الذين يوهمون الناس بقدرتهم على تسخير الجن وأعمال السحر، وتسهيل العثور على المومياوات والقطع الأثرية بسبب معرفتهم بالخلفية التاريخية حول المكان، والأماكن التى من المحتمل أن تكون دفنت فيها الكنوز، وأن لديهم الأساليب والطرق، التى تدخل فى نطاق السحر الأسود وفك الطلاسم والتصدى للعنة الفراعنة وغيرها، وذلك من خلال الاستعانة بخدام المقبرة من الجن للوصول إلى كنوزه، وهناك من خسر ما يملك دون أى طائل. وأشار المواطن عياد حسن إلى أن أجهزة كشف المعادن أصبحت فى يد العامة ويتم تأجيرها فى الليلة للكشف عن المقابر الأثرية بــ٢٠ ألف جنيه ويتحدث الكثير من الشباب عن سهولة جلبه متى تيسر المبلغ، وانتشر الكلام عن سهولة قيام الدجالين بالاستدلال عن أماكن المقابر من خلال الطقش المغربى الذى يكلف ٢٠ ألف جنيه لاستخراج الرصد من داخل المقابر وسحب الكنز على وجه الأرض. ومن جانبه كشف وزير الآثار المصرى خالد العنانى خلال تصريحات تليفزيونية سابقة عن أن القطاع يعانى من مشاكل أبرزها الإهمال وعدم التأمين الكافى، معتبرا هذين السببين من الأسباب الرئيسية فى عمليات التنقيب غير المشروع، مؤكدا أن الوزارة تعمل على مواجهة هذه المشكلة، من خلال زيادة الوعى بأهمية الآثار وضرورة الحفاظ عليها بالتعاون مع وزارتى الداخلية والسياحة.