طباعة
sada-elarab.com/545624
فى يوم ما، اتصل بى صديقى رامى محسن، مدير إنتاج برنامج "كورة كل يوم" الذى كان يقدمه كريم حسن شحاتة، فى بداية ظهور قناة النهار، وكنت أعمل ضمن فريق المراسلين آنذاك، وأبلغنى بتغطية مباراة الزمالك والمقاولون فى الجبل الأخضر، وقام وقتها بالتنسيق معى بشأن مقابلتى مع فريق التصوير، خاصة أن حسن شحاتة، كان يتولى تدريب الزمالك وقتذاك، وكان هناك اتفاق مع القناة، أن يجرى "المعلم" تحليلاً خاصاً للقناة، عقب كل مباراة للزمالك، وكنت مكلفاً بتغطية المباراة بشكل تقليدى، إلى جانب عقد اللقاء الإعلامى التحليلى مع حسن شحاتة.
عرفت مدربين كثيرين، بحكم عملى فى حقل الصحافة الرياضية لسنوات، شاهدت "عجرفة" فاروق جعفر، عندما كان يتولى تدريب أحد الأندية، وسألته: هل تفكر فى ترك التحليل فى الفضائيات، والتركيز فى تدريب الفريق، فرد بمنتهى الغرور: "لو فاروق جعفر محللش يبقى مين يحلل"، والمثير للدهشة أن الذى يتحدث بهذا "الكبرياء" لم يحقق أى بطولة.
وتعاملت مع حسام البدرى، المدير الفنى للمنتخب، ورأيت كيف أنه شخصية متجهمة، ثقيل الظل، ملامحه لا تتغير مهما كان نوع الحديث معه، حتى لو على سبيل الضحك والهزل، وكان هذا سبب الحائط المعنوى الذى يقف عائقاً أمام تعامله مع اللاعبين.
وتعاملت مع البرتغالى مانويل جوزيه، هذا "العصبى"، الذى كان لايقبل أية أسئلة من الصحفيين خارج النص، ولو بيديه لقام بضرب أى صحفى أو إعلامى، أسئلته ليس فيها نوع من المديح، وأصيب فى أواخر أيامه مع الأهلى بحالة من "الأنا المفرطة".
وبالطبع رأيت حسن شحاتة، فى كثير من تدريبات المنتخب، والمؤتمرات الصحفية، ولكن عقد لقاء إعلامى معه فى غرفة مغلقة تحت الإضاءة القوية، والكاميرا، التى لا تسمح لك بوقت للتجوال فى عقلية المصدر الذى أمامك، بعكس الورقة والقلم أو "الوورد" على الأجهزة الحديثة، لذلك لم أكن أرى اللقاء سهلاً، وأنا بطبيعتى لم أكن أحب مسكة "المايك".
شخصية "المعلم" لم يكن سهلاً تحليلها، فهو يتعامل بطريقة بشرية تقليدية، ليس له سمات ظاهرة تستطيع من خلالها أن تمسك خيوط شخصيته.
جاء هذا اللقاء بعد أن حصل "شحاتة" على الثلاثية الأفريقية التاريخية، ليتوج بلقب أفضل مدرب فى تاريخ مصر، وكان فى أوج بريقه.
كنت أتساءل وأنا فى الطريق إلى "الجبل الأخضر" كيف سيكون شكل اللقاء، هل سيتقبل "المعلم" الأسئلة الصعبة بـ"مرونة" أم سيغضب، هل مغرور فى تعاملاته مع الآخرين.
كان "المعلم" على علم مسبق باسمى، من القناة، وبعدما انتهت المباراة بفوز الزمالك، قمت بالتغطية التقليدية للمباراة، وعندما ذهبت للغرفة المحددة فى استاد "الجبل الأخضر" لتسجيل اللقاء مع المدرب القدير، فوجئت بـ"المعلم" ينتظرنى أمام باب الغرفة، ودون مقدمات أخذنى بالحضن وقال لى: "إزيك يا أبوحميد" وكأنه يعرفنى من سنين، وأخذ يتكلم معى: "هاه إيه رأيك فى المباراة، إنت منين، متجوز واللا لأ" لم أر فى حياتى مدرباً متواضعاً بهذه الصورة، واكتشفت مدى إنسانيته، وأنه ضد الغرور أو التكبر، وبسيط لأبعد مدى، هكذا يكونون أصحاب الإنجازات دائماً، يملكون الثقة التى تقودهم إلى "التواضع"، وبعد تسجيل اللقاء معه الذى اكتشفت أنه يمتلك عبقرية كروية فذة، وليس كما كان يشيع عنه "أرباب تشويه النجاح" بأنه فاز بالثلاثية الإفريقية بـ"الحظ" و"الصدف"، وأن "جوزيه" هو الذى صنع النجوم التى ساعدت "المعلم" على الفوز بـ"ثلاثية"، كما كان شوقى غريب، مساعده أيام المنتخب، يردد بأنه السبب الحقيقى وراء التتويج المتتالى للبطولات الإفريقية، ودارت الأيام وتولى "غريب" تدريب المنتخب، وفشل فشلاً ذريعاً.
خلاصة تجربتى مع حسن شحاتة، أننى اكتشفت أنه يملك كل مفردات الإنسانية، لم تستطع "الثلاثية الإفريقية" التلاعب بشخصيته، ودود إلى أبعد مدى، هذه أخلاق حسن شحاتة، الذى هتفت الجماهير باسمه لسنوات، وهى تحمل علم مصر فى الشوارع والسيارات، بعد الفوز بكل بطولة إفريقية.
وبعيداً عن إنسانية حسن شحاتة، فوجئت بحملة السخرية التى تعرض لها الجنوب أفريقى بيتسو موسيمانى، المدير الفنى الجديد للأهلى، على" السوشيال ميديا"، والبعض يرفض تسميته بـ"مدرب أجنبى" بدعوى أنه أفريقى داكن اللون، وسيل من السخرية على شكله وشكل مساعديه، وتشبيه أحد مساعديه بـ"دسوقى الرفاعى" فى مسلسل "الأسطورة"، إنها "العنصرية" فى أبشع صورها، اسخر كما تشاء على تصرفات أى إنسان، لكن إياك أن تتحدث عن شكله، فهو لا يملك شكله الذى جاء به إلى الدنيا، فكيف تؤذيه نفسياً، لشىء لم يكن بيديه، بل بيد خالقه.
وللأسف مازالت "العقلية العنصرية" تعشش فى غالبية عقول أهل الشرق، "جمال" البشر أو "قبحهم" يتوقف على إنسانيتهم، على أرواحهم، وليس أجسادهم الفانية.