طباعة
sada-elarab.com/543614
أحياناً تمنحك الحياة فرصاً على "طبق من ذهب"، دون شقاء أو تعب، لكنك لا تغتنمها بـ"منتهى السذاجة"، والأمثلة متعددة خاصة فى عالم كرة القدم المصرية، فنجد لاعباً مثل صالح جمعة، يلعب فى أكبر الأندية المصرية "الأهلى"، ويمتلك موهبة تؤهله إلى "العالمية" لو حرص على تطوير نفسه، لكنه بـ"منتهى الدلع" دخل فى "دوامة الأزمات"، لدرجة أن أخباره أصبحت تتصدر صفحات الحوادث، خاصة بعد حادث السيارة الأخير، بسبب "رعونته" فى القيادة، لم يقدّر حجم الشهرة و"الملايين" التى تمطرها السماء فوق رأسه بـ"أقل مجهود"، بينما هناك مئات الآلاف من الشباب أفنوا حياتهم كاملة دون الوصول لرقم "المليون".. ورغم يقينى أنها أرزاق، لكن الله عز وجل قال فى كتابه الكريم: "قل هل يستوى الذين يعملون والذين لا يعملون"، لذلك تضيع "النعمة" من كل "مستهتر"، مثلما انطفأت سنوات "شيكابالا" فى "ليالى السهر" رغم موهبته الفذة، فراحت عليه كل فرص التعويض، وأصبح "خيال موهبة"، ولا يستحق لقب "نجم"، فـ"النجومية" ليست بـ"الموهبة فقط" بل فى كيفية إدارتها بـ"نجاح".
ولست هنا بصدد المقارنة، على سبيل المثال، بين صالح جمعة، ومحمد صلاح، النجم العالمى، فالأمر لا يحتاج إلى توضيح، فـ"الفارق الشاسع" ومعروف للجميع.
ولكن سأروى حكاية "شاب مغمور" عاش معاناة الحياة بـ"كل ألوانها" و"أوجاعها"، قصة تكشف الفارق بين أن تمنحك الحياة "الفرص السهلة"، وبين أن تكافح لصناعة الفرص لنفسك، رغم أن كل الظروف كانت تقودك إلى "الضياع".
وبطل هذه القصة الواقعية "هشام"، عاش معاناة فريدة من نوعها، لم تخطر ببال أى سيناريست، أو روائى، كان "هشام" ينتمى لأسرة من "النوبة" أصحاب البشرة "داكنة اللون"، لكن "هشام" كان لون بشرته "فاتحاً" يميل إلى "البياض" وكان يثير ذلك علامات الاستفهام، فكيف جاء بهذا اللون من أب وأم ذوى بشرة داكنة اللون، حتى شقيقه الأصغر "كريم" كانت "بشرته داكنة".
وكان هذا "اللون الفاتح" المتمرد على نسل الأسرة، بمثابة لعنة عليه من جانب أبيه، رجل الأعمال الذى كان يمتلك مصنع أدوات بلاستكية متعددة، فكان يعامله أسوأ معاملة، ويقول له فى وجهه صراحة: "أنا شاكك إنك ابن زنى".. لدرجة أن شقيقه الأصغر "كريم" كان يمنحه أبوه السيارات الفارهة، بينما كان يقف "هشام" شقيقه الأكبر على ناصية أحد الشوارع لـ"يبيع تين شوكى".
كان يجاهد "هشام" فى سبيل بناء ذاته بكل الطرق، لم يخجل من أى عمل، ولم يستسلم لـ"بطش" أبيه، وزاد "الطين بلة" أنه تعرض لـ"قصة حب فاشلة" فى هذه الأثناء، فقرر "هشام" السفر إلى "إيطاليا"، وهناك ذاق "المرار" من صراعات "الجاليات العربية" مع بعضها، لكنه نجح بعد سنوات معدودة فى تكوين مبلغ مالى يؤهله لبناء مستقبله فى مصر، وعندما عاد استقبله "أبوه" بـ"جفاء" كالعادة.
ولكن لم يترك "هشام" نفسه فريسة للأزمات النفسية، ولاحت فكرة جيدة فى رأسه عقب العودة من الخارج، وهى استيراد "المادة الخام" التى تدخل فى صناعات أبيه "البلاستيكية"، من الصين، وبالفعل فتح مكتب استيراد وتصدير، وسرعان ما بدأ فى استيراد "المادة الخام" وبيعها لعدة مصانع بأسعار أقل من أسعار السوق، فـ"ذاع صيته"، وعلم أبوه بـ"الأمر" فطلب منه شراء "المادة الخام" من أجل مصلحته، خاصة أن الأسعار التى يبيع بها، ستزيد من مكاسب مصانعه، ومنحه الفرصة للعمل معه فى إدارة المصنع.
ولم يكن يعلم "هشام" أنه يتعرض لـ" مؤامرة" من أبيه وشقيقه الأصغر "كريم"، فبعد أن دخل المصنع، أقنعه أبوه أن يخزن "المادة الخام" المستوردة، فى مخازنه الخاصة، وطلب من شقيقه الأصغر "كريم" أن يتعرف على طريقة استيراد "المادة الخام" من الصين، من خلال الأوراق التى يتركها هشام فى المصنع.
وفى يوم من الأيام، فوجئ "هشام" لدى دخوله المصنع، بأبيه يطرده بطريقة "مهينة" من المصنع أمام جميع "العاملين"، وعندما طلب "هشام" الحصول على أوراقه ومستنداته، التى كان يحتفظ بها فى المصنع، قال له أبوه: "ملكش عندنا أوراق ياحرامى"؟!
وجاءت "الطامة الكبرى" عندما ذهب إلى مخازن أبيه، لنقل "المادة الخام" التى يمتلكها، فوجئ بتغيير الأقفال، وقيام الحراس بطرده، ليدخل "مرحلة الصفر" من جديد.
لم يستسلم "هشام" طويلاً لهذه "الصدمة"، خاصة أن أحد أصحاب المصانع، الذى كان يبيع له المادة الخام، بعد أن عرف تفاصيل مؤامرة أبيه ضده، عرض عليه مشاركته فى استيراد المادة الخام، وتمويله بالأموال اللازمة للوقوف على قدميه من جديد.
وبعد مرور السنوات والأحداث، أصبح الآن يمتلك هشام شركة كبيرة، ولديه بدلاً من السيارة الفارهة عدة سيارات، بينما شقيقه الأصغر "كريم" المدلل، أصبح يركب دراجة نارية، بعد أن تسبب فى إفلاس مصنع أبيه، وتراكمت عليهما الديون، فى ظل اقتحام المنتجات الصينية للأسواق المصرية، فى السنوات الأخيرة.
وهذا هو الفارق بين صالح جمعة الذى يشبه "كريم" الشقيق الأصغر المدلل، وبين محمد صلاح، الذى يشبه "هشام" فى المعافرة والقتال والمثابرة لتحقيق ذاته.