طباعة
sada-elarab.com/520012
لم تترك التكنولوجيا مجال إلا واخترقته؛ وإن تفاوت مقدار تغلغلها حسب المجال، حتى جاء فيروس كورونا مُعجلاً بزيادة مقدار هذا الاختراق مختزلاً ما كان ممكنًا الوصول إليه بعد سنوات؛ وكأن الوباء العالمي قد جاء كاشفًا عن حاجتنا للتقاضي عن بعد لا مُنشئًا لها، في ظل ما تقتضيه التدابير الصحية للوقاية منه من تباعد اجتماعي حفاظًا على صحة كل الأطراف، وامتثالاً لمقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يكفل لكل شخص الحق في أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، ويُلزِم الدول باتخاذ تدابير لمنع تهديد الصحة العامة، ناهيك عن تلبية التقاضي عن بعد لما باتت تحتاجه المنازعات القضائية من سرعة ودقة وتوفير للوقت والجهد واللحاق بركب التكنولوجيا.
لقد أصبح التقاضي عن بعد مطلبًا حتميًا؛ يطرح من خلاله المتقاضين دعاواهم أمام المحكمة الافتراضية، التي يكون حضور الخصوم فيها (وموكليهم) حضورًا افتراضيًا، والقضاة على منصاتهم في جلسات علنية مباشرة موثقة بالصوت والصورة بنظام مكالمات الكونفرانس، ولها محاضر ضبط إلكترونية تتفق مع طبيعتها الافتراضية.
وبالنظر لآلية عمل المحاكم الافتراضية فالمحافظة على خصوصيات الأطراف سمتها الأساسية؛ فبعد التيقن من هوية المدعى والمدعي عليه بالاستعانة بالوسائل البيومترية كبصمة الإصبع، وبصمة العين والبصمة الصوتية، وبمجرد تسجيل الدعوى في المحكمة عبر نظامها أو تطبيقها الإلكتروني وتسديد الرسوم إلكترونيًا، يصبح لدى اسم مستخدم وكلمة مرور ورقم تعريف شخصي، ثم باستيفاء البيانات المطلوبة يستطيع أطراف الخصومة متابعة الدعوى إلكترونيًا وحضور جلساتها في مواعيدها الحقيقية وكأنهم موجودين، ولو كانوا خارج البلاد.
وكذا تقديم المستندات المطلوبة إلكترونيًا، وتصلهم كافة التبليغات المطلوبة أو المزمع القيام بها إما عبر الهاتف النقال برسائل قصيرة أو عبر البريد الإلكتروني، مع التشديد على التثبت من وصولها لذات المرسل إليه تحديدًا، وكما هي دون تحوير أو تغيير في فحواها. حتى إن تخلف الخصم عن التواصل، يُمكن للمحكمة من تطبيق القواعد المتعلقة بغياب الخصوم وشطب القضايا عن الجدول ووقف المحاكمة وانقطاعها، وهكذا تدور إجراءات المنازعة حتى تنتهي بالمداولة وإعلان الحكم إلكترونيًا وفق آليات الذكاء الاصطناعي .
ورب متساءل ما الحل إذا افتقد المدعى لمعرفة كيفية التواصل مع المدعي عليه إلكترونيًا؟ فهنا بإمكانه الاستعلام
عنه في قواعد بيانات المواقع الرسمية التابعة للحكومة الالكترونية لتحديد محل إقامته، أو عمله، أو بريده الالكتروني، أو رقم هاتفه المحمول.
وواقعيًا، وفي أعقاب الإعلان عن وباء الكورونا قامت بعض الدول العربية بعقد جلساتها القضائية عن بعد خلال الأيام القليلة السابقة؛ كدولة الإمارات العربية المتحدة (إمارة دبي) مستعينة بنظام الاتصال المرئي، ومعلنة عن نجاح هذه التجربة.
وإننا إذ نناشد بتعجيل وجود المحاكم الإلكترونية في مختلف الدول وعلى كافة المنازعات ، نشير إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو الحكم الإلكتروني الذاتي؛ فبإمكان المدعي الذي رفع دعواه إلكترونيًا الحصول على حكم فيها بعد رفعها إلكترونيًا بدقائق باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي؛ وفي القول تفصيل لاحق يمكن أن يكون موضوعا لمقالات تالية.