لا شك أن قياس الدَّين العام لأي دولة يخضع للعديد من المعايير والحسابات اللحظية، فالأرقام المعلنة صباح اليوم عن الدَّين العام للدولة، تتغير في مساء ذات اليوم، وربما تتحرك صعودًا وهبوطًا خلال ساعات قليلة تبعًا لحركة الاسواق العالمية ومدى ارتباط الدَّين العام بمؤسسات نقدية دولية يختلف فيها التوقيت عن الدولة، لذلك يجب أن ننوه لهذه التغيرات ونضعها في الحسبان عند رصد نقطة محددة وتحليلها علميًا.
وما لفت نظري في خبر تم الإعلان عنه الأسبوع
الماضي، هو أن لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالبرلمان قد وافقت بالأغلبية خلال
اجتماع لها على رفع سقف الدَّين العام إلى 13 مليار دينار، وأرجعت اللجنة مبرراتها
إلى أن الدَّين العام ارتفع من 1.335 مليون دينار في سنة 2007 إلى 8.866 مليون دينار
لسنة 2016 بنسبة 74% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد رأت أنه من المناسب والطبيعي أن
يزداد الدَّين العام اضطرادًا، ولا يحدث فيه أي تغيير «سلبي»، لذلك تم إقرار الزيادة.
ولا ألوم اللجنة في قرارها فالجميع يعلم
السقوط المدوي لأسعار النفط وتأثيرها على دخل المملكة والدول النفطية إجمالاً، لكن
أود توجيه السؤال في الهواء، عما فعلناه منذ أن هبطت الأسعار، وهل فكرنا في تنويع مصادر
الدخل استعدادًا للمرحلة التي يؤكد كل الخبراء أنها ستطول ولا يوجد في الأفق آمال لعودة
أسعار النفط لما كانت عليه.
ولمن يتابع كشف الحساب الختامي الموحد للدولة
للسنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2016، يجد فيه أن الإيرادات النفطية بلغت 1.4
مليار دينار بنسبة تراجع 10% عن عام 2015، بينما بلغت الإيرادات غير النفطية نصف مليار
دينار بنسبة زيادة 3%، وكانت المصروفات العامة 3.5 مليار دينار، في مجملها مصروفات
متكررة، ولم يتم الصرف على المشاريع إلا مبلغ 0.4 مليار دينار فقط.
وبحسبة بسيطة نجد أن نسبة مصروفات المشاريع،
مقارنة مع المصروفات المتكررة، تقارب ثمانية أضعاف مصروفات المشاريع، وهو أمر يدعو
للتساؤل: ألا توجد لدينا مشاريع ولماذا هي ضعيفة مقارنة مع المصروفات المتكررة، وأين
ما تنتجه الدولة وتصدره غير النفط، فالمقارنة بين الإيرادات النفطية وغير النفطية تؤشر
إلى أن النفط مازال يمثل أكثر من نصف موارد الدولة، وهو ما يخالف تصريحات المسؤولين
السابقة بأن القطاع غير النفطي شكل ما يعادل 80% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية
2016.
ومازال المسؤولون في الدولة يبحثون عن مصادر
دخل تعتمد على ما في جيب المواطن، باستحداث رسوم على كل شاردة وواردة، ومضاعفة الرسوم
المستقرة بأضعاف مضاعفة لا تتوافق مع القانون او العقل اوالمنطق، ولا يحتملها دخل المواطن
البحريني المحدود بين دول المنطقة التي ستبدأ عما قريب تطبيق ضريبة القيمة المضافة
وليست البحرين بمنأى عنها، رغم الفروق الكبيرة بين دخول مواطني الدول الشقيقة والعباد
في جزيرتنا الحبيبة.
وتنهال علينا التصريحات من خبراء وعلماء
اقتصاد لتؤكد أن هذه الضرائب والرسوم لا تمس شريحة المواطنين الأدنى دخلاً، رغم أنهم
يعلمون تمام العلم أن زيادة الرسوم على أي قطاع اقتصادي، لا بد وأن ترحل إلى المستهلك
بطريقة أو بأخرى، ولكن تصدر تلك التصريحات لطمأنة الناس، بينما هي الأكثر استفزازًا
لهم.
السؤال الذي يطفو دائمًا على سطح الميزانيات
والتصريحات الاقتصادية ولا يجد أحدًا يجيب عليه بوضوح وبأرقام معلنة، هو: ما هي المشاريع
الإنتاجية التي أنشأتها الدولة لرفد الدخل، وكم العائد المتحقق، وإذا لم يكن قد حدث
حتى الآن فمتى سيحدث، أم انه لا توجد لدينا مشاريع إنتاجية؟