تعرض العالم الأسبوع الماضي لهجوم إلكتروني جديد على نطاق واسع استهدف شركات عملاقة بدول العالم، وكان من بينها أكبر ميناء للحاويات في الهند، الذي تديره شركة ايه بي مولر - ميرسك الدنماركية للشحن البحري، وتعطلت العمليات الخاصة بالشركة أيضا في لوس أنجلوس، وعادت الإدارات للتعامل مع الحاويات يدويًا، ولم تكن البحرين بعيدة عن هذا الهجوم، وإن كان المسؤولون في ميناء خليفة بن سلمان قد طمأنوا المواطنين والتجار بأنه تم اتخاذ جميع التدابير والإجراءات الاحترازية وتفعيل خطة الطوارئ البديلة للتعامل مع الهجوم.
لكن بعض التجار اشتكوا من تأثر السوق بهذا الهجوم، حيث أدى إلى تأخير استلام الحاويات وتعرضهم لخسائر نظرًا لاستخدام السبل اليدوية، مطالبين باتخاذ إجراءات سريعة لحل المشكلة، كما أن تأخر تسليم البضائع للسوق تسبب لهم بخسائر في زمن تسليم البضائع، فضلاً عن فساد بعض من المواد الغذائية سريعة التلف، ويتضح من قراءة سريعة للموقف أن الخسارة لم تكن في الميناء فقط، ولكنها أثرت على السوق بكامله والسلع المتوفرة فيه للمواطنين.
وكثير من الدول مازالت تتعامل مع الأخطار الإلكترونية باستخفاف أو بإلقاء العبء على الشركات المشغلة ومسؤوليتها في توفير الأمان الإلكتروني، لكن وعند وقوع الهجوم نكتشف تبعات تسونامي خطيرة وصلت إلى عقر دار كل إنسان.
والأمر الأكثر خطورة ويحتاج للمزيد من البحث والتحقق والدراسة، هو ما يحدث للأجهزة الإلكترونية التي باتت الدعامة الرئيسية في اقتصاد أي دولة، حيث تقوم تلك الفيروسات بإغلاق الأجهزة ويطالب أصحابها ضحاياهم بفدية بعملة البيتكوين وإلا فقدوا كل بياناتهم، وهنا يجب علينا التوقف لوهلة لإلقاء الضوء على عملة البيتكوين، التي ظهرت في العام 2009 وتعرف بأنها عملة وهمية أو افتراضية وليس لها وجود مادي وهي مشفرة بحيث لا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء التي تتم بها، أو حتى معرفة صاحب العملات، وبذلك تقلل من سيطرة الحكومات والبنوك على العملة، وعندما ظهرت تم تحديد سعرها بحوالي 6 سنتات فقط، لكن هذا السعر قفز ليصل إلى ألف دولار.
واحتلت مؤخرًا عملة البتكوين صدارة قائمة أكبر العوائد الاستثمارية خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي، وظهرت لها أنواع أخرى مثل عملة «الإيثريوم» والتي بلغت نسبة نموها 3500% خلال النصف الأول من 2017، بعد أن بدأت مع نهاية 2016 عند مستوى 8.4 دولار لتتخطى 300 دولار في الوقت الحالي.
ورغم أن الفدية المطلوبة ليست بالقيمة الكبيرة، إلا أنها ذات مغزى عميق، وتؤشر إلى دخول العالم الافتراضي للأسواق وتأثيره الفاعل والمحسوس في مصائر الشعوب، فالهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له موانئ وشركات عملاقة في العالم لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، وما يحدث في دول العالم يسري على البحرين، وهو ما لم يكن أحد يتوقعه أو أن يحسب تأثيراته على معيشة المواطن، لذلك وجب علينا التوقف والبحث عن دفاعات حديثة تستطيع صد مثل تلك الهجمات.
لا نريد أن نترك مصير غذائنا لأهواء بعض القراصنة الموتورين، ولكي نصل للأمان الغذائي، فيجب التفكير في عدة حلول لا تقتصر على الأمان الإلكتروني، أو توفير سلع احتياطية أو خطط طوارئ، فحياتنا لا تحتمل أية طوارئ.
وأخيرًا أوجه كلمة شكر واجبة للجهود الكبيرة التي تقوم بها إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي أعتبرها الجندي المجهول الواقف على حدود البحرين «الافتراضية»، والمتصدي الأول للهجمات الغريبة على مجتمعاتنا، فلهؤلاء الحراس خلف حواسيبهم التحية والتقدير.