لا شك في أن اختلاف مواقيت الصلاة وساعات الصوم وعبور شهر رمضان الكريم لكافة فصول السنة، لهو حكمة من الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يتدبرها ويعي منها الكثير من الدروس، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في سورة آل عمران، إذ قال تعالى «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب (190) الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلىٰ جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هٰذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191)».
كما أن اختلاف الزمن بين دولة وأخرى واستطالة
فترات الصوم لدى بلدان وقصرها في بلدان، لهو من عظيم رحمة الله أيضا بعباده، الذين
أمرهم بأن يسيروا في الأرض ليعتبروا بما فيها، فلا تخلو أرض من كافة أطياف النعم والعبر،
فهناك من يصومون ساعات قلائل وآخرون يقضون جل يومهم صيامًا ولا يفطرون إلا لسويعات
قليلة، ولعل مدينة تامبيري في فنلندا - تضم أكثر من 5 آلاف مسلم - مثالاً على ذلك حيث
يتجاوز طول النهار في الصيف أكثر من 20 ساعة.
كما أن آخرين لا يجدون المسجد المكيف الذي
نتمتع به في بلداننا، ويأدون الفريضة على أرض حارقة، أو فوق جليد متجمد، صابرين صاغرين
لأمر الله الذي أمرهم بالصلاة والزكاة والصيام، ويقومون الليل يبتغون فضلاً من الله
ورضوانا، ويكابدون الأجواء الصعبة لديهم فيصرون على الوصول إلى المساجد للصلاة، أو
يتحملون حرارة الجو «بلا مكيفات» ويعملون ساعات النهار صائمين محتسبين الأجر عند الله.
لقد أنعم الله علينا بالخير الكثير فجلعنا
نتغلب على كافة تلك الصعاب بأن يسر لنا الخير لكي ننعم بأجواء صناعية تحجب عنا حر الصيف
وبرد الشتاء، وتغلبنا على المسافات بسياراتنا ولم تعد لدى أي منا ذريعة لأن يبقى في
منزله ولا يصلي في المسجد، ولله الحمد فالمساجد في هذه الأيام عامرة بالمصلين في الصلوات
الخمس وكأنها جميعًا صلاة الجمعة، وندعو الله أن تستطيل الطاعة وتستمر لما بعد رمضان،
فما أبهى المساجد في الشهر الفضيل، وما أوحشها بعده، وتجدها ازدانت وعمرت بأهلها في
رمضان، ثم تتحول لشبه أطلال يزورها المخلصون فقط.
وفي كل عام نلاحظ تغييرًا في مواعيد إقامة
الصلوات في مساجدنا، لكي تتواءم مع أوضاع الصائمين والمصلين، فتجد مسجدًا يقيم صلاة
العصر بعد 5 دقائق، وآخر يجعل الإقامة بعد 60 دقيقة، وفي مسجد مجاور تقام صلاة المغرب
بعد 5 دقائق، وعلى مقربة منه مسجد يؤخر الإقامة لعشرين دقيقة، وحين تسأل كل منهم لماذا
التغيير في رمضان، يعطي كل منهم حجته على ذلك، بأنها للتيسير على الصائمين، فمنهم من
يفضل التعجيل بالصلاة عند الإفطار، ومنهم من يفضل أن يفطر ثم يصلي، ولا أعلم أيهم أقرب
للحقيقة في الدين، لكن يبقى السؤال الذي يدور في مخيلتي كل عام، هل سنطوع شهر رمضان
لكي يتواءم مع ظروفنا، أم أن العكس هو الأسلم.
الصوم فريضة لا يجب أن نحاول تطويعها بأكثر
مما تحتمل، خاصة وأن ما لدينا من الإمكانيات والنعم ما يجعل الصيام ميسرًا لا إرهاق
فيه، ولا نريد أن تمتد الرفاهية في حياتنا إلى أقرب الفرائض، فلنحتسب عند الله الأجر
والثواب في إنتظار وقت الصلاة كما اعتدناها خلال السنة، ولعل فيها مزيدا من الأجر من
عند الله الذي قال إن الصوم لي وأنا أجزي به.