الأسبوع الماضي احتفلت مملكة البحرين بتقديم النسخة الثالثة من جائزة عيسى لخدمة الإنسانية، والتي منحت هذا العام لمؤسسة 57357 بجمهورية مصر العربية الشقيقة وهي المؤسسة التي تتبنى علاج الأطفال المصابين بمرض السرطان، وقد كان للحفل أهمية كبيرة على المستويين المحلي والدولي نظرا لاهتمام القيادة الحكيمة وحرصها على أن تقدم الجائزة للفائز بها وأن يبادر جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه «الرئيس الفخري» في دعم الجائزة معنويًا، وإلى جانبه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر وسمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمناء.
ومن يراجع موقع الجائزة يجد توصيفًا لها
بأنها أسست تكريمًا لوالد جلالة الملك أمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل
خليفة طيب الله ثراه، وأنا لا أتفق مع هذا التوصيف حيث أن اسم الأمير الراحل هو تكريم
للفائز بتلك الجائزة، كما أن أعمال عيسى بن سلمان الخيرية في حياته لا تكفيها كتب ولن
يحصرها المؤرخون، وأعتقد أن الجائزة في مضمونها هي تخليد لذكراه وعرفانًا بما قدمه
للإنسانية في حياته، واستدامة لهذا العطاء بأن منح جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة
الفكرة الروح لتعيد إلينا نسمات من روح والده رحمه الله.
الجائزة تقدم كل عامين لأحد المؤسسات أو
الشخصيات التي سخرت حياتها لخدمة الإنسانية، وهي ليست كالأوسمة الفخرية أو الشهادات
التي تمنح فقط للتكريم المعنوي، بل إن جلالة الملك حفظه الله ورعاه حرص على أن تشمل
الجائزة الشقين المعنوي والمادي، لتمثل حافزًا لمزيد من البشر أن يتسابقوا لفعل الخير،
فكانت قيمتها الكبيرة التي تبلغ مليون دولار، عاملاً إنسانيًا فاعلاً في دعم منظومة
العمل الإنساني في العالم، ومثل حضور جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء، لتقديم الجائزة
القيمة المعنوية الكبيرة لها.
ولم يكن أجمل ما في تلك النسخة من الجائزة
إلا أن تصادف شهر رمضان الكريم وتتعطر بنسمات الخير فيه، فتعطي زخمًا أكبر للباحثين
عن فعل الخيرات أن يصطفوا ويستلهموا منها الأفكار، وهو ما أريد أن أنوه له هنا، حيث
أن الفكرة في الجائزة يمكن أن تتسع ويتم تطبيقها عبر مجموعات من أصحاب الأيادي البيضاء،
بتكوين منظمات تمنح جوائز مماثلة ويكون لديها القدرة التنظيمية التي تجمع بها تبرعات
أهل الخير، وتقديم جائزة مماثلة.
ولعل المستشفى الفائز بالجائزة هذا العام،
قد انطلق عبر مبادرة شبيهة بهذا المقترح، حيث تم إنشاء أكبر مستشفى في العالم «بحسب
تصريحات المسؤولين فيه» لمعالجة سرطان الأطفال، وذلك من خلال التبرعات فقط، ومازالت
فكرتهم تتوسع حيث يطمحون لإنشاء أكبر مجمع تعليمي بحثي لسرطان الأطفال في العالم، ونتمنى
أن يحمل اسم المغفور له الأمير عيسى بن سلمان، خاصة وأن التوسعات المستمرة في الصرح
الطبي الكبير باتت تستوعب المرضى من أطفال الدول العربية وأفريقيا، ولم تعدْ مقصورة
على أطفال مصر.
فكرة إنشاء مشروعات تنموية واجتماعية تخدم
الشعوب ليست بالحديثة، ولكن ما قامت به مؤسسة 57357 خلال عمرها الممتد منذ بدء المشروع
في عام 1998، وافتتاح المستشفى في 2007، يمثل طفرة في المشروعات الإنسانية لمنظمات
المجتمع المدني، كما أن إدارة هذا الصرح وتوسعته وما وصل إليه بكونه أكبر مستشفى متخصص
في العالم، ويعمل وفق أحدث الأنظمة التكنولوجية وأحدث طرق العلاج، ليجعلنا نقف احترامًا
وتقديرًا لإدارة هذا المشروع الرائد.
وخلاصة القول في مثل هذه المناسبة الإنسانية
هو أن الاحتفاء والتكريم والعطاء، كلها محفزات لمزيد من الأعمال الإنسانية، وتحمل في
طياتها قصص نجاح وخبرات واسعة يمكن لمن يريد فعل الخير أن ينهل منها كما يشاء.