بدأت الدولة تفرض الرسوم في كافة أشكال
ومناحي حياة المواطن، والجميع صابر ومحتسب أجره عند الله، وقد يلتمس العذر للحكومة
بسبب الأزمة المالية او بسبب انخفاض أسعار النفط عالميا، ورغم ما يكابده الفقراء من
أبناء البحرين، إلا أنهم يثقون في القيادة والحكومة ويعيشون على أمل أن تتحسن الأوضاع
فيما بعد.
لكن أخطر ما يواجهه الإنسان في هذه الفترة،
هي الأمور التي تلامس صحته، فالمال يمكن تعويضه طالما الإنسان لديه القدرة على العمل
والإنتاج، وطالما أن صحته وعافيته بخير ونتمنى ذلك لجميع الناس.
والهواجس تدور هذه الأيام حول تخلي الحكومة
نوعا ما عن توفير العلاج المجاني للمواطن، على الرغم من أن المادة الثامنة لدستور مملكة
البحرين تقول إن «لكل مواطن الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل
وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية»، وتصريحات
المسؤولين الكثيرة هذه الأيام مثلها مثل نشرة الأرصاد الجوية التي تتوقع الإعصار القادم.
ولعل المؤشرات بدأت تظهر على أرض الواقع،
فكثير من المترددين على بعض المراكز الصحية، يشتكون من قيام بعض الأطباء بكتابة أدوية
لصرفها من صيدلية المركز، إلا أنهم يتفاجؤون بأنها غير متوفرة لديهم، ويقال لهم «إذهب
واشترها من الصيدليات بالخارج»، وعندما يذهب المواطن للصيدليات الخاصة يكتشف أن هذا
الدواء باهظ الثمن وربما كثيرون لا يقدرون على شرائه ويتوقفون عن العلاج.
الناس بدأت تتساءل، هل تلك هي خطة وزارة
الصحة للبدأ في تطبيق حرمان المواطن من حقه في العلاج الذي كفله دستور البحرين؟، وماذا
عن أصحاب الأمراض المزمنة ومتناولي العلاجات باهظة الثمن، وممن لا يملكون حقها؟، فهل
وصل الأمر لدرجة إهمال صحة المواطن يا وزارة الصحة؟.
قصة أخرى وردتني من صديق من أصحاب الأمراض
المستعصية، قائلا إن الطبيب حدد له دواء يتم طلبه من الخارج عن طريق الوزارة، وبالفعل
قدم طلب لجلب الدواء إلى اللجنة المختصة والتي تكرمت بالموافقة على جلبه، وانتظر شهرين
دون أن يصل الدواء، فعاد ليسألهم عن سبب التأخير، وكان الرد صاعقا، فقد أبلغوه أن استمارة
طلب الدواء تم إلغاؤها والاستعاضة عنها باستمارة جديدة موديل 2017، وعليه أن يتقدم
بطلب مكتوب على الاستمارة الجديدة، وستنظر اللجنة «مرة أخرى» في طلبه.
يا وزارة الصحة، حياة المواطن ليست لعبة
لكي يتم تجميد علاج شخص مريض بسبب تغيير «موديل» الاستمارة، والمفترض أنكم تسعفون المرضى
وترسلون سيارات الإسعاف بأسرع وقت ممكن لإنقاذ أرواحهم، لكن ما يحدث مع مريض ينتظر
دواء من الخارج، لا يدل على أن اللجنة تنتمي لمنظومة الصحة أو تعلم عن المرض والمرضى
شيئا.
لقد سبقكم رجال الدفاع المدني في تقاريرهم
بإبراز مدى استجابتهم لوقوع حادثة أو حريق، حيث يعلنون بفخر أنهم وصلوا لموقع الحادث
خلال دقائق، بينما من يفترض أنهم مسعفون للمرضى، قد أجلوا علاج إنسان لأن الاستمارة
«قديمة».
حياة الناس لا تقدر بثمن، ويمكن أن توفر
الدولة بفرض رسوم وضرائب، لكنها يجب ألا تقترب من الصحة، وتضع نصب أعينها أن أرواح
البشر أغلى من أي مورد رئيسي في الدولة، وكثيرا ما نسمع من المسؤولين أن المواطن هو
محور الاهتمام، وأن البحرين في مرتبة متقدمة على مستوى التنمية البشرية، وأن الاستثمار
في الإنسان هو محور التقدم والنمو لأي مجتمع.
وقبل أن نتحدث كثيرا عن تنمية الموارد البشرية
وتعزيز القدرات البشرية، وتأهيل الكوادر الشبابية، يجب أولا المحافظة على صحة هؤلاء
لكي يستمروا في خدمة الوطن، فالصحة هي الصيانة لأهم مورد في المجتمعات المتحضرة.