وصلتني اتصالات وردود أفعال إيجابية عن المقال السابق الخاص بمشكلة ولاء الموظف لمسؤوله وعملية تبديل المسؤولين وتغيير الموظفين تبعًا لولاءاتهم في الإدارات والمؤسسات، وأشكر كل المتابعين للمقالات، وكذلك أشكر الذين أدلوا بدلوهم في هذه القضية حيث وردتني الكثير من قصص المعاناة لموظفين بسبب تغيير المسؤولين وما يتبعه من تبديل الحاشية لزوم الولاء للقيصر الجديد.
لكن الذي لفت نظري من كافة الأمثلة التي وردتني، هي قصة شخصيات
مسؤولة، لم تحقق يومًا نجاحًا في أي منصب تولته، بل على العكس يدخل إدارة فيفشل
ويخرج منها ليتم حشره في أخرى بقوة المعارف وليس بالعلم والمؤهلات، فيفشل ويفشل
المكان الذي دخله ليخرج منه بعد القضاء عليه وتحويله لإدارة آيلة للسقوط.
هذه الآفة المجتمعية التي يتمتع بها الوطن العربي عامة ومنطقة الخليج
خاصة، وهناك نماذج يعرفها الناس ويحكون قصصها للتندر والتحسر، فكم من إنسان لديه
الكفاءة والخبرة، لم يجدْ من الواسطات من يضعه تحت جناح بشته ويوليه منصبًا يستحقه
دون أي وسائط متعددة.
فلقد سرد لي أكثر من صديق وقارئ، قصة مسؤول تم توظيفه في عدة أماكن
هامة وحساسة تصل الى درجة عالية في الهيكل الإداري وما دونه، ثم وبعد مرور فترة
على توليه هذا المنصب، يثبت بالتجربة العملية أنه لا يصلح لهذا المنصب، فيتم
تنحيته جانبًا، لفترة وحتى ينسى البشر أنه فاشل، ثم يعاد تلميعه مرة أخرى في منصب
كبير آخر، ويعود ليفشل ويدمر المكان الجديد، بل ويتأثر الجميع بفشله، وتكون له
توابع مثل الزلازل المدمر في تلك الإدارات، مما يضطر الذي جلبه ان يخرجه بسرعة،
وحتى تحين فرصة أخرى في سفينة أخرى فيجعله ربانا للسفينة فيغرقها وأهلها، وتتكرر الخسائر
دون أي اكتراث من محاولة معالجة الأضرار التي سببها قبل إعادة تعيينه مرة أخرى.
المشكلة ليست في هذا الإنسان فقط، ولا في الخسائر المادية والمعنوية
الناجمة عن إعادة تعيينه في أماكن متفرقة، وكأننا في حقل تجارب يمر علينا أكثر من
خبير ليجرب فينا ما تعلمه من الزمن في مواقع عمل اخرى ليس لها أي صلة ببيئتنا، بل
الكارثة عادة ما تحل بمن حوله من العاملين في تلك الإدارات، فالخطأ لا يحمل هو
وزره، وإنما يلقى باللائمة على الكادر الوظيفي بأكمله، ويأتي العقاب شديدًا على
كافة العاملين في هذه الإدارة، ثم يرحل المسؤول إلى مكان آخر فيصيبه وأهله بالدمار
الشامل.
هؤلاء الشخوص أشبه بالقنبلة العنقودية التي تحدث أكثر من تفجير متتالي
في منطقة واسعة، ويعتبرون من أسلحة الدمار الشامل والمحرم دوليًا، «لكنه حلال في
بلاد العرب»، ويمتد أثره لأزمنة طويلة مثل القنابل النووية التي تسبب سرطانات
لأجيال.
وسيسأل كثيرون.. ما الحل وكيف السبيل للتخلص من هؤلاء الشخوص،
والإجابة في الوقت الراهن غير متاحة، لكن أرى في وسائل التواصل الاجتماعي «ورغم
مساوئها» سلاحًا قويًا بات يغير مصائر مؤسسات، لكن مع الأخذ في الاعتبار أنه سلاح
مدمر أيضا ويحتاج لرخصة وحرفة وأدب في التعامل به، فيمكن أن يتحول من وسيلة للدفاع
عن قضية عادلة، إلى سلاح يفتك بالأبرياء ويسيء للشرفاء، وقبل أن نستعملها يجب أن
نخضعها لمزيد من الدراسة.
نأمل أن يتحقق في القريب العاجل المزيد من العدالة في توزيع المناصب
الحساسة وأن تكون حصرًا على من يستحقونها وألا يتم إعادة إنتاج وتدوير، لأنها تضر
بالمجتمع وبيئة التقدم والتطور في أي دولة.