لفت نظري خبر نشرته صحيفة «الأيام» حول قضية موظف بحريني كان يعمل بعقد مؤقت في مؤسسة حقوقية، واتخذ أحد المسؤولين في المؤسسة قرارًا بنقله إلى وحدة الموارد البشرية وتثبيته بوظيفة دائمة، إلا أنه وبعد تقاعد الأمين العام قام رئيس المؤسسة بإعادته لعمله المؤقت، وبعدها تم فصله لوجود خلل في الإجراءات الإدارية، فقام الموظف برفع دعوى ضد المؤسسة للمطالبة بإعادته للوظيفة التي منحها له المسؤول الذي تقاعد.
القصة تعتبر واقعًا لكثيرين في مؤسسات وقطاعات
حكومية كثيرة وتحدث بشكل متكرر، خاصة مع وصول مسؤول جديد لمنصب في وزارة أو هيئة أو
أي قطاع عمل، فيبدأ بتفتيت الهيكل الإداري القديم او ما يسمى (بالحرس القديم)، وتعيين
آخرين ممن يدينون له بالولاء أو على علاقة قرابة أو صداقة، دون مراعاة الكفاءة والأداء
والخبرة وباقي المعايير المتعارف عليها في التعيينات والترقيات والتي من المفترض تطبيقها
في تلك القطاعات.
وبعد أن يقضي المسؤول فترته الوظيفية في
هذا القطاع والتي عادة ما تتراوح ما بين سنة وحتى ثماني سنوات، يرحل ليأتي من يخلفه
في العمل وهنا تبدأ عملية تفتيت الهيكل الإداري لمن سبقه، وأعتقد أن كثيرًا من القضايا
العمالية بالمحاكم تسرد وقائع مماثلة، وأخرى لم تتمكن من الوصول إلى العدالة.
وحتى لا ينتقدني أحدهم قائلاً إن المحكمة
انتصرت للقانون وأعادت الأمور لطبيعتها من كون هذا الموظف كان مؤقتًا وانتهى عقده مع
تلك المؤسسة، فأود القول إن هذه الحقيقة لا ينكرها أحد ونقر ونشيد باستقلالية القضاء
في البحرين، لكن خلفيات القضية تؤكد أن هذا الموظف المؤقت لم يعدْ حتى موظفًا، بل تم
فصله أو بمعنى آخر انتهى عقده السنوي، وأصبح في الشارع، بسبب أن من رفعه لمرتبة الموظف
الثابت قد رحل.
وهذا الواقع «القانوني» ولو أنه لا غبار
عليه، إلا أنه انتهى بواقعة مؤسفة، وجميعنا يعلم أن وزارات كثيرة في الدولة لديها عشرات
الموظفين بعقود مؤقتة لا يعلمون ماذا يخبئ لهم المستقبل عند نهاية العقد، وهل سيتم
تمديده أم سيعودون للشارع مرة أخرى، وهنا لا ألوم أي إنسان يبحث عن «واسطة» تبعده عن
شبح إنهاء العقد، ولو كان ذلك حتى مقابل الولاء لشخص بعينه من المسؤولين، و«يا تصيب
يا تخيب».
قضية التوظيف والترقيات والتعديلات في المناصب،
تحتاج لوقفة صريحة من المسؤولين، ومحاسبة للنفس حتى نستطيع الخروج من منزلق الولاءات
والمعارف والأصدقاء والأقارب، ويكون المعيار هو الكفاءة والتراتبية الوظيفية، وأن توضع
أسس واضحة للتعيينات، حتى يعلم كل منهم أنه سيوظف بدون شك ولكن وفق معايير الكفاءة.
أعلم أن هذا الحلم قد يكون صعب التحقيق
في الوقت الراهن وأن المعوقات كثيرة لتطبيقه، لكن نثق في عدالة بعض المسؤولين للابتعاد
عن التصفيات، وأن ينتصر ذوو الكفاءات على أصحاب الولاءات.