لا شك أن الرياضة باتت أحد مصادر الدخل لبعض دول العالم، بل أن الفيفا يصنف كدولة من حيث ميزانيته ومدى سطوة القياديين فيه، وسيطرتهم على تحريك سياسات بعض الدول، كما أن جميعنا تابع على مدار السنوات الماضية فعاليات سباق الفورمولا 1 الذي تستضيفه مملكة البحرين وما يستقطبه السباق من عاشقي رياضة السيارات، ولا ينكر أحد أهمية سباقات الخيل المقامة على مستوى دول الخليج وامتدادها العريق في أوروبا والعائد المذهل من تلك الرياضة.
ولقد استوقفني خبر نشر الأسبوع الماضي يفيد بصدور
توجيهات من رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة للإدارة
التنفيذية باللجنة الأولمبية لإعداد دراسة متكاملة حول إمكانية خصخصة بعض الخدمات التي
تقدمها اللجنة وتفعيل الجانب الاستثماري في المجال الرياضي، وذلك خلال ترؤس سموه للاجتماع
الاعتيادي لمجلس إدارة اللجنة الأولمبية البحرينية بحضور أعضاء المجلس.
الفكرة من حيث المبدأ عظيمة وطموحة، ولقد أصاب سمو
الشيخ ناصر حين لم يوجه بتفعيل الخصخصة مباشرة، وإنما طالب بإعداد دراسة متكاملة لهذا
الشأن الذي أتوقع في حال تم تقديم دراسة جادة ومتأنية تستقرئ مستقبل الرياضة في البحرين
وكيفية الوصول لأقصى قدر من الاستفادة الاقتصادية لها، أن تستحدث البحرين مصدر دخل
يسهم بقوة في دعم الاقتصاد الوطني.
وليست دول مجلس التعاون الخليجي ببعيدة عن الفكرة،
بل وأكاد أجزم أنهم سبقونا بسنوات في هذا المجال الواعد من حيث الاستفادة الاستثمارية،
فها هي دولة قطر الشقيقة تنفق نحو 500 مليون دولار أسبوعيًا على مشروعات البنية التحتية
الرئيسية استعدادًا لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022، بحسب تصريحات لوزير المالية
القطري السيد علي العمادي، الذي أوضح أن ذلك المبلغ يشمل بناء ملاعب وطرق سريعة وسكك
حديدية ومستشفيات جديدة، كما نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في أن تنشئ
ملاعب عالمية نظمت واستضافت نجوم الرياضة وباتت قبلة للفعاليات الرياضية العالمية.
وقد أنفقت البرازيل 11 مليار دولار على استضافة
كأس العالم 2014، في حين زادت روسيا الإنفاق الحكومي على كأس العالم 2018 بمقدار
321 مليون دولار، لتصل التكلفة الإجمالية إلى 10.7 مليار دولار، وتلك الدول تعلم أن
العائد المادي سيكون أكبر بكثير مما تنفق.
دعونا نفتح النقاش الجاد في هذا الشأن بوضع جدول
أعمال للقاءات مكثفة بين خبراء اقتصاديين وأقرانهم من أهل الرياضة، حتى يمكن الخروج
بتصور حقيقي لما يمكن أن نفعله، وليبدأ هذا الأمر بعد الانتهاء من الدراسة التي وجه
بها سمو الشيخ ناصر، على أن توضع هذه الدراسة أمام الخبراء من الجانبين، وتتم مناقشتها
وتمحيصها واستقراء كل المقترحات، ووضعها ضمن توصيات، ولكن بشرط أن يتم ذلك وفق جدول
زمني محدد، وبشرط آخر وأهم، هو أن يوضع جدول للمهام التي ستنجز في كل قطاع ويتولى أصحاب
الخبرات رسم خطة عمل لكل مشروع في القطاعات المختارة، ثم يوكل أمر وضع دراسة جدوى لميزانية
المشروعات لخبراء المالية.
وعندها لن يتردد أي مستثمر وطني أو أجنبي في أن
يدخل ضمن شراكة في هذا المشروع، طالما كانت الدراسات واقعية وقابلة للتحقيق، وتحمل
سمة الجدية والجرأة على اتخاذ قرارات مالية صعبة.
أتمنى أن تجد الفكرة صدى لدى المعنيين، ولربما سيعتبرها
كثيرون حلمًا طموحًا يصعب تحقيقه، لكن الجرأة والإخلاص في العمل ووضع الأهداف والعزم
على تحقيقها سيحقق الأحلام.
كلمة أخيرة ونصيحة.. اجعلوا هذا المشروع وطنيًا
خالصًا، ولا داعي للخبرات الأجنبية والدراسات المنسوخة، فلو اعتمدنا على كوادرنا الوطنية
ووثقنا في إخلاصها للفكرة فبلا شك سنحقق المستحيل.