عرفت البحرين بأنها أصغر دولة من حيث المساحة وكذلك عدد السكان من بين الدول العربية والخليجية، كما أن إمكانات البحرين الاقتصادية محدودة مقارنة مع دول المنطقة، لكنها استطاعت أن تكون الأفضل نسبيًا بين دول الخليج كمكان للعيش والإقامة بالنسبة للأجانب والأيدي العاملة.
وهذه ليست شهادتي
أو استطلاع رأي محلي، بل جاء ذلك ضمن تقرير صادر عن بنك اتش اس بي سي لأفضل جهات العالم
للعمالة الوافدة في 2016 حيث احتلت مملكة البحرين المركز العاشر عالميًا والثاني خليجيًا،
فيما جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في المركز الرابع عالميًا والأول
خليجيًا وظلت سويسرا على رأس القائمة فيما جاءت ألمانيا في المركز الثاني يليها السويد،
وأعود لأكرر أن البحرين وعلى الرغم من أنها الأصغر مساحة عالميًا والأقل في مستوى الدخل
خليجيًا، إلا أنها ظلت ضمن العشرة الأوائل على مستوى العالم على القائمة السنوية الصادرة
عن البنك.
وهذا التقرير ورغم
اعتماديته إلا أنه أغفل جوانب أخرى في القياس بالنسبة للعمالة الوافدة، البحرين تتفوق
في أمور أخرى تهم العمالة الوافدة وتوفرها البحرين لهم منذ عشرات السنين، كالرعاية
الصحية والتعليم المجاني فضلاً عن تكلفة أسعار الخدمات التي تمنح العامل الوافد القدرة
على العمل برواتب قليلة، والتوفير منها بفضل ما تقدمه الدولة من خدمات حياتية شبه مجانية
أو رخيصة الثمن، كما أن تكلفة السكن والمواصلات وأسعار المواد الغذائية في البحرين
هي الأرخص بالمقارنة مع الدول الخليجية اﻻخرى.
وربما تغافل التقرير
أو وضع أسس الرفاهية كمعيار للمقارنة بين الدول، وهو معيار لا يمثل أهمية قصوى بالنسبة
للعمالة التي تبحث معظمها عن مصدر رزق تستطيع أن توفر منه ما يعينها على رفع رفاهيتها
في الدول التي قدموا منها، ودون الأخذ في الاعتبار مدى توفر تلك الرفاهيات في الدول
التي قدموا للعمل فيها، فنعم السويد دولة يتمنى أن يعيش فيها كل إنسان وليس العمالة
الوافدة، كما أن بعض الدول الخليجية توفر لوافديها من السياح رفاهيات ربما يراها الراصد
وكاتب التقرير أنها تشمل العمالة الوافدة أيضا، وهذا رصد خاطئ يفقد المعيار المصداقية.
فهل العامل والخادمة
والسائق وأصحاب الدخول المتدنية يستخدمون الرفاهيات المتاحة في تلك الدول، وهل الوافدون
إلى سويسرا والسويد للعمل يقيمون في فنادقها ويستمتعون بما يتوفر لديهم من وسائل ترفيه؟
على العكس تمامًا بل إن كثيرين يحاولون تجنب الترفيه لتوفير ما يمكن إرساله لعوائلهم
في البلاد التي قدموا منها.
أمر آخر قد تغافل
عنه التقرير في المقارنة، وهو حقوق العمالة الوافدة والقوانين المنظمة لها ومدى الحرية
الواسعة في انتقال العمالة من شركة لأخرى، حيث أصبح بإمكان العامل الآن وبحسب ما صرح
به وزير التجارة والصناعة زايد بن راشد الزياني، أن يكون كفيل نفسه في فئة الأعمال
الحرة، ووفرت تمكين للمستثمرين الأجانب الدعم الفني وهو أمر من المستحيل أن تجد له
مثيلاً في أي دولة من دول العالم، ولا حتى في السويد وسويسرا.
لا أقول إن البحرين
جنة الله في أرضه بالنسبة للعمالة الوافدة، ولكن لو أجرينا استطلاعًا واقعيًا للرأي
بين العمالة في دول العالم، سنجد أنهم يفضلون العيش في البحرين عن دول أخرى، نظرًا
للخدمات الاقتصادية واللوجستية التي توفرها البحرين، ولعل في الحرية التي يلمسها الجميع
هنا ما يكفي لأن تكون البحرين المتصدرة لقائمة الدول العربية، فالحقوق والحريات تبقى
على رأس القائمة لكثيرين من العمالة الوافدة، ولا يمكن قياسها بمقاييس رقمية، لأنها
لا تقدر بثمن، ويكفينا فخرًا أن تبقى البحرين واحة التعايش لكافة أطياف البشر. القبطان
محمود المحمود رئيس منظمة الوحدة العربية لحقوق اﻻنسان ومكافحة الإرهاب.