طباعة
sada-elarab.com/183237
تحدثت في المقال السابق عن مفهوم حرية الطفل الذي ذكر في اتفاقية الأمم المتحدة، ومدى اعتراضه مع قدرات الطفل العقلية وإدراكه للمخاطر المحيطة به، واليوم أكمل الحديث عن حقوق الطفل.. ولكن على أسرته.
فقد ذكرت اتفاقية حقوق الطفل التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1989، ودخلت حيز النفاذ في سبتمبر 1990، في المادة 5، نصا بأن تحترم الدول الأطراف مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين أو - عند الاقتضاء - أعضاء الأسرة الموسعة أو الجماعة حسبما ينص عليه العرف المحلي، أو الأوصياء أو غيرهم من الأشخاص المسؤولين قانونا عن الطفل، في أن يوفروا بطريقة تتفق مع قدرات الطفل المتطورة، التوجيه والإرشاد الملائمين عند ممارسة الطفل الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية.
وهنا أود أن أضيف للنص كلمة «الحماية» بعد كلمتي «التوجيه والإرشاد»، لأن ما يحدث في هذا العصر من تقدم - لم يكن متاحا وقت إنفاذ تلك الاتفاقية - يستوجب ذلك، وأقصد في هذا الصدد حماية الطفل مما يمكن أن يتعرض له بسبب استخدامه للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بشكل لم يكن معروفا في تسعينيات القرن الماضي.
فمن الملاحظ اليوم أن الأسرة تحاول أن تسكت أطفالها بإعطائهم حرية اللعب على الهواتف والأجهزة الإلكترونية المفتوحة على الشبكة العنكبوتية، وأعرف كثيرًا من الناس يستغل تلك الأجهزة لإشغال أطفالهم، حتى يصفو لهم جو العمل أو الترفيه بعيدا عن صداع الأطفال.
لكن هذه الظاهرة الجديدة قد حملت إلينا من الأخطار ما لا يلحظه النسبة الكبيرة من الآباء والأمهات، من انتهاك واضح لبراءة الطفل، بدون أن يشعر أحد، فالكثير منا يسمح لأطفاله باستخدام منصة «يوتيوب» لمشاهدة أفلام الكارتون وغيرها من المقاطع التي تصنّف بـ(البريئة والمجازة للطفل)، بينما تظهر أمام الطفل إعلانات متنوعة لا تخضع لهذا التصنيف، وقد تجر الأطفال إلى مساحات أخرى لا يحمد عقباها.
وأعرف آباءً تركوا لأبنائهم «يوتيوب» دون رقابة أو حماية، وأصابتهم الصدمة حين راجعوا المشاهدات ليكتشفوا ولوج مقاطع إباحية أو سلوكية تغير من قناعات الطفل، حتى أن بعض هؤلاء الأطفال سمحت لهم عائلاتهم بحرية المشاهدة إلى أن وصلوا لمرحلة الشباب، وتفاجؤوا بهم يتحدثون عن حريات لا تليق بمجتمعاتنا وقيمنا وديننا، بل إن بعضهم وصل إلى الإلحاد ولم تُجدِ وسائل الإقناع المنزلية لهم بالعودة عما آمنوا به.
ولا أتحدث هنا عن تلك المخاطر الكبيرة بأنها مقتصرة على الطفل فقط، ولكنها تتنامى معه يوما بعد آخر ليأتي عند مرحلة الشباب وتكون لديه أفكار وعادات تخرجه من إيمانه بمجتمعه إلى مجتمعات افتراضية تخلق منه شخصية لا تنتمي لوطن أو دين أو حتى أسرة.
وإذا ما كانت هناك برامج توضع لتعزيز الولاء والانتماء للوطن، فيجب أن يكون من ضمن خططها، إيجاد «قبة حديدية» تحمي الطفل والشاب من مخاطر هذا العالم الافتراضي وقدرته على تغيير تلك الولاءات، فقد يستغل بعضٌ من الناس مشكلة حدثت مع مواطن، ليجعله يكره وطنه ومجتمعه ويلجأ إلى المجتمعات الافتراضية التي تتيح له كل ما يرغب فيه ويوائم أفكاره.
ملحوظة أخيرة أود الإشارة إلى أهميتها وضرورة تطبيقها من منظور محلي، إذ أجرت منصة «يوتيوب» مؤخرا، بعض التغييرات على طريقة جمع البيانات واستخدامها في المحتوى، المخصّص للأطفال على موقعها، كي تعالج المخاوف التي أثارتها لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية «FTC» بشأن الامتثال لقانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت «COPPA».
اللهم بلّغت.. اللهم فاشهد.
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية