طباعة
sada-elarab.com/165332
شاهدت تقريرًا مصورًا عن قضية «هدر الطعام» في مملكتنا الصغيرة، ولم أكن أتخيل هذه الأرقام المذكورة وحجم القضية التي نفتعلها دون أن ندري، ونحسبها كرمًا وضيافة وهينة عند الله سبحانه وتعالى، ولكننا سنُسأل يومًا عنها وأدعو الله المغفرة والرحمة لي ولكم.
فبحسب خبراء، تبيّن أن هدر الطعام في بيوت البحرين يعتبر أكثر منه في الفنادق والمطاعم، ويقوم كل شخص في المملكة بهدر ما يقارب ثلث كيلوغرام من طعامه اليومي، ويبلغ متوسط الهدر اليومي في كميات الطعام حوالي 400 طن، ترتفع في شهر رمضان المبارك شهر «الصيام» إلى حوالي 600 طن، وتقدر تكلفة هذا الهدر سنويًا بحوالي 95 مليون دينار بحريني.
الأخ العزيز الدكتور محمد مبارك بن دينة الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للبيئة قام بعمل مقارنة بين مدينة طوكيو اليابانية والبحرين، حيث تتشابهان في المساحة، أوضح فيها أن سكان طوكيو يبلغ عددهم 9 ملايين نسمة، في مقابل مليون ونصف بالبحرين، وتبلغ مخلفات السكان في طوكيو 9 آلاف طن بينما في البحرين 5500 طن في اليوم، ما يؤكد أن لدينا مشكلة كبيرة في التعامل مع الطعام.
ويقول شيف في أحد الفنادق إنه يشعر بالأسى عندما يقوم بطبخ كميات من الطعام، ثم يكون مصيرها القمامة بعد ذلك، ويزداد لديه حجم الأسى في شهر رمضان المبارك، حيث تتضاعف هذه الكميات، وليست البحرين فقط صاحبة القضية، فأرقام برنامج الأغذية العالمي تظهر حجم الجريمة التي نفعلها، حيث يهدر سكان العالم 4 مليارات طن من الغذاء كل عام، بينما لا يزال 870 مليون شخص في العالم يعانون من نقص التغذية.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يبلغ كمية الغذاء المهدر في البلدان الغنية بحوالي 222 مليون طن، وهذا الرقم يساوي إجمالي الغذاء المنتج في بلدان أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، وهم أصحاب المجاعات الذين لا يجدون طعاما يكفي قوت يومهم.
هلّا تخيلنا حجم الجريمة.. نعم بالفعل إنها لجريمة، لكنها تستمر ونتناسى هذا الكلام كله، ثم نعود لنطبخ الكثير ونأكل القليل ثم نلقي بقايا الطعام في القمامة، وهو أمر يحتاج منا وقفة مع النفس للمحاسبة، فأبرز مشاكل أبنائنا اليوم هي السمنة وكيفية التخلص منها، وأرى أن أحد أسبابها هو هذا الهدر الكبير في كميات الطعام.
ورغم المأساة التي نراها في أسلوب حياتنا، إلا أن مجموعة من الشباب قرروا تبني فكرة مبادرة بعنوان «حفظ الطعام» وبدأوا بإمكانات بسيطة، وتفاعل معهم الناس، وتوسع نشاطهم حتى تحول إلى جمعية تقوم بجمع الطعام وإعادة توزيعه على الفقراء والمحتاجين، وحصلت الجمعية على جائزتين في 2018، الأولى كانت جائزة سمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لأكبر مشروع تطوعي في فئة الجمعيات، والثانية جائزة سمو الشيخ خليفة بن علي آل خليفة «وفاء لأهل العطاء».
الجمعية تستحق الإشادة والثناء، إلا أنها تحتاج لمزيد من الدعم للتوسع، لأنها لا تستطيع جمع الكميات الكبيرة من الطعام وإعادة توزيعها، وهو ما جعل شركات كبيرة مثل شركة فيفا للاتصالات تتبنى فكرتهم، وكذلك المجلس الأعلى للبيئة الذي وقع معهم مذكرة تفاهم لدعم الجمعية ونشر الوعي بقيمة الطعام وحاجة الآخرين له.
والحقيقة هو أن مجتمعنا في حاجة لإعادة التفكير في أسلوب تعامله مع الطعام، ومعرفة ما يحتاجه بالضبط، حتى نتلافى هذا الهدر الكبير؛ لأن هدر النعمة يبشر بزوالها، حفظنا الله وإياكم من زوال النعمة.