طباعة
sada-elarab.com/160849
يخشى الرئيس الامريكي دونالد ترامب ان تؤثر الحملة ضد سياساته من داخل حزبه الجمهوري وخارجه علي الانتخابات الرئاسية المقبلة وتحرمه من ولاية ثانية . والحملة الجديدة لا تتعلق بامور داخلية امريكية بقدر ما تتعلق بالسياسة الخارجية الامريكية وتدهور مكانة البلاد وابتعاد اغلب الحلفاء عن سياسة " ترامبية"وصفت بالانعزالية والتفردية والمصلحية واذلال الحلفاء وشن حرباً تجارية ضدهم .
لقد تراكم ما يكفي من الاسباب التي ادت الى التدهور الدولي للمكانة الامريكية حتى في نظر الحلفاء ربما قبل الاعداء. وقد فجرت علاقة ترامب مع الرئيس الروسي بوتين العديد من الاقاويل التي يحاول معارضو ترامب اثبات صحتها .. ومن بينها قضية التقارب التركي الروسي والتباعد التركي الامريكي الى درجة الاستغناء عن منظومة الدفاع الجوي الامريكية والاتجاه الى شراء منظومة دفاعية روسية (صواريخ S-400 ) التي بدأت تركيا بتسلمها في تموز الماضي.
ليس جديدا الحديث عن الخلافات الامريكية الاوروبية التي تفاقمت بشكل يجسد التصدع الحقيقي في جبهة الغرب وهو ما اشرنا له منذ سنوات .. ومن اسباب تفاقمها سياسات ترامب الذي نكث بالتزامات بلاده الدولية حين انسحب من اتفاقية باريس للبيئة وإلغى التصديق على معاهدة تجارة الأسلحة التي تنظم التجارة الدولية في الأسلحة التقليدية، و انسحب من "الميثاق العالمي للهجرة"، والذي أقرته المنظمة الدولية بالإجماع تحت اسم "إعلان نيويورك" وانسحب ايضاً من الاتفاق النووي مع ايران وانسحب من اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، ومن المشاركة مع آسيا عموماً فضلاً عن تعامله المشين مع دول امريكا الجنوبية من خلال منع المهاجرين، وتعارضه مع القرارات الدولية الخاصة بالقدس والجولان وتوجّيهه انتقادات حادة لمنظمة الأمم المتحدة وللحلف الاطلسي وتأمره لتفكيك الاتحاد الأوروبي، وسحب تأييده للبيان المشترك لقمة الدول السبع الكبار في (كندا- 2018)، بسبب نزاع حول التجارة، واتهامه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذى ترأس القمة بأنه غير نزيه وضعيف.
لقد توجت كل تلك الانسحابات من الاتفاقات الدولية فضلاً عن العقوبات التي فرضها ترامب على الحلفاء، فقوضت الشراكة الامريكية الاوروبية التي دامت اكثر من سبعة عقود. وقد تجلى ذلك بنحو صارخ في المؤتمرين الاخيرين (وارسو وميونيخ للأمن) حيث لوحظ مدى التصدع في جبهة الغرب عندما عبرت كل من المانيا وفرنسا عن سخطهما على سياسات ترامب التي تقوض السلام العالمي. وهو ما استفز العديد من الشخصيات الامريكية المؤثرة، ويرى المستشار بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية سيث جونز( نيويورك تايمز) ان "تشكيك ترامب بالنظام الدولي وبالعلاقة مع اوروبا ادى الى "إنقساماتٌ كبيرة داخل الحكومة الأمريكية، وداخل مؤسسة الأمن القومي فالمسؤولين في وزارتَي الدفاع والخارجية يُقدِّرون سير العلاقة مع أوروبا".
وبالعودة الى العلاقة مع روسيا وتركيا نجد ان تركيا التي تشارك في برنامج انتاج المقاتلة F-35/ flickr قد حرمت من اقتناءها على الرغم من عقدها لشراء 100طائرة بسبب شرائها لصواريخ S-400 الروسية. ويرى اللواء البحري الامريكي مات وينتر الرئيس التنفيذي للبرنامج المشترك لصناعة المقاتلة أن تركيا من أفضل الشركاء وهي تُنتج 844 جزء من اجزاء المقاتلة عالية الجودة ومنخفضة الكلفة. لقد اخفق ترامب بالتعامل مع هذا الملف للاسباب التالية:
أولاً: تسبب تعنت الادارة الامريكية وموقفها المؤيد لانقلاب 2016 على الرئيس اردوغان والضغوط الاقتصادية التي مارستها ضد الليرة التركية وتسليحها للمقاتلين الاكراد في ابتعاد تركيا عن امريكا تدريجياً وعقدها لصفقة صواريخ S-400 الروسية وقيمتها 2.5 مليار دولار والتي ستوفر لموسكو ارباحاً كبيرة وستسمح بتعاون استراتيجي مع بلدٍ عضو بحلف الأطلسي.
ثانياً: إن الولايات المتحدة خسرت شريكاً في انتاج المقاتلة بجودة تركيا وخسرت ايضا صفقة شراء المائة طائرة، في وقت حققت روسيا ارباحا من صفقة الصواريخ وستحقق ارباحاً اخرى عندما تتجه تركيا لشراء طائرات (سوخوي Su-35) مما سيسمح بتطوير الصناعة العسكرية الروسية وفتح الاسواق العالمية لها.
ثالثاً: تهرب الرئيس ترامب من تحمل مسؤولية خسارة الحليف التركي بوضع اللائمة على ادارة الرئيس السابق اوباما التي يدعي انها رفضت بيع منظومة دفاع جوي امريكي لتركيا! واذا كان الامر كذلك فلماذا لم يصلح ترامب الخطأ ويبيع تركيا ما تريد ؟ ولماذا حاصر تركيا اقتصاديا وامنيا وضغط عليها سياسياً ؟
رابعاً: تعتقد اوساط عديدة في الادارة الامريكية ان ترامب اخفق في تطبيق «قانون التصدي لخصوم أمريكا عبر العقوبات» (CAATSA) ولم يفرض عقوبات على الحلفاء الذين يشترون أسلحة روسية.. وعلى العكس فإن أشادة ترامب باستمرار بروسيا بوتين قوض صدقية اية عقوبات يمكن ان تهدد بها ادارته ضد البلدان التي تشتري الأسلحة الروسية.
يبقى ان نجيب على السؤال المركزي : لماذا فشل ترامب في كل ما سبق ؟ وللاجابة نذكر رأي مجلة " فورن بوليسي "التي ترى ان ترامب يهاجم بنحو متكرر الاتحاد الأوروبي، و"ينبطح" أمام الرئيس الروسي بوتين، وان تردده في استهداف روسيا هو الذي شجع الحلفاء على الاستعانة بقدراتها العسكرية والامنية، فالسعودية وقطر والهند تتباجث مع روسيا لشراء منظومة S-400 مما يفتح ثغرات استراتيجية في السياسة الدولية الامريكية.
ولا تستغرب الفايننشال تايمز أن يدافع ترامب عن علاقته بموسكو، ويتحدث في تغريداته عن "إمكانية تعاون الدولتين لحل الكثير من المشاكل حول العالم". وتذكر ان رد بوتين هو إنه يرغب في "تطبيع كامل" للعلاقات الروسية الامريكية.. وفي الواقع ان رقعة التعاون الاقتصادي بين البلدين اتسعت في عهد ترامب .
ما الذي تدل عليه كل هذه المؤشرات: هل نصدق ما قيل بعد انتخاب الرئيس ترامب من ان روسيا بوتين ساهمت بنحو فعال في فوزه؟ ام نصدق ما ذكره جون برينان المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) حين قال بأن الرئيس بوتين قد تكون لديه ملفات عن ترامب.. كل شيء جائز في الحرب وفي السلام والخافي اعظم !!