طباعة
sada-elarab.com/157497
قررت فرنسا مؤخرا فرض ضرائب على كبرى شركات التقنية في العالم مثل جوجل وأمازون وفيسبوك وأبل وآر بي أند بي وانستجرام وكريتيو الفرنسية، وهو قرار اتخذه البرلمان الفرنسي متحديا بذلك تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمعاملة بالمثل.
وخلال ساعات قلائل انضمت بريطانيا لهذا التوجه أيضا، حيث أعلنت وزارة المال البريطانية عن مشروع قانون ضريبي على الشركات الرقمية، وقال مسؤول بريطاني إن الضريبة على الخدمات الرقمية مصممة لضمان «العدالة والمنافسة» في نظامنا الضريبي في هذا القطاع، ونحن بانتظار «اتفاق دولي» أكثر استدامة.
لا شك أن شركات التقنية العالمية تجني المليارات من أموال مستخدمي تلك التطبيقات بشكل لا يخضع للتحكم من قبل دول العالم، فهذه الأموال تذهب للشركات العملاقة التي يقطن معظمها الولايات المتحدة الأمريكية وتصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي، ودون أي عائد يذكر لأي دولة من دول العالم، وهو ما اضطر كلا من فرنسا وبريطانيا للتحرك بشكل تشريعي لوضع حد لاستنزاف أموال مواطنيهم لصالح تلك الشركات دون تحكم وسيطرة، وكذلك دون أخذ نصيب من تلك الكعكة الدسمة الكبيرة.
ويواجه التشريع الفرنسي والبريطاني هجوما شديدا من أمريكا والرئيس ترامب الذي لا يريد لأحد أن يشاركه هذه الكعكة، ويهدد بالمعاملة بالمثل، وهي المعاملة التي لن تؤثر كثيرا على الدولتين، فالخاسر الأكبر هنا هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتضن على أرضها أعتى شركات التكنولوجيا بالمقارنة مع فرنسا وبريطانيا.
لكن ماذا عن باقي دول العالم، وماذا عن دولنا الخليجية، وماذا عن البحرين في هذا المعترك الكبير الذي سيفتح الباب أمام صراع اقتصادي ينذر بحرب شرسة على تلك العائدات التي تشهد تناميا كبيرا يوما بعد آخر، حتى أصبحت 70% من المعاملات المالية تجرى عبر الشبكة العنكبوتية، وربما تصل إلى 90% خلال أعوام قليلة، وهو ما يؤكد الحاجة الماسة لإقرار تشريعات ضريبية تتماشى مع هذا النهج الاقتصادي والمالي المتسارع.
ومن المتوقع أن تبدأ دول أخرى في تطبيق ضرائب على الشركات سواء رضيت أمريكا أم أبت، وهو ما أشار إليه المسؤول البريطاني في تصريحه حين قال «نحن بانتظار اتفاق دولي أكثر استدامة»، ولن تستطيع حينها أمريكا أن تطلق تهديدات حول حق تعتبره الدول من حقوقها السيادية، واقتطاع من أموال مواطنيها دون حسيب أو رقيب، وللجميع الحق في ذلك، فلا يمكن أن نشاهد استنزاف أموال الدول باتجاه واحد فقط، والنظر إلى تلك الأموال تتحرك بأرقام كبيرة دون تحصيل رسم عليها.
ولو ركزنا في هذا المجال «مستقبلا» فأنا أتوقع أن يكون العائد من أموال شركات التكنولوجيا المتحصلة من مواطنينا أكبر من أي ضرائب أو رسوم تم فرضها خلال العقد الحالي، ولذلك يجب أن نستعد بتشريع معاصر يواكب ما يحدث في العالم الآن، خاصة وأن الأمور في مجال التقنيات تشهد تسارعا كبيرا يحتاج منا وضع استراتيجيات وبرامج تواكب هذا التسارع.
إن قطاع التكنولوجيا الآن يعتبر القطاع الأكثر نموا في كافة دول العالم، ولو بدأت المملكة في وضع الخطط للاستفادة منه بكافة السبل فلا شك، سنكون قد تجاوزنا مرحلة التزامن مع الأحداث، وهنا أدعو الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي وخبرائه من القانونيين، أن يسرعوا في التفكير لسن مثل هذه التشريعات، كما بادروا بالاتفاق على «القيمة المضافة»، لأن هذا التشريع سيكون بمثابة انطلاقة دولية لن تقف عند فرنسا وانجلترا.
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية..