طباعة
sada-elarab.com/131792
يعد النجاح في ترشيد مستويات النمو السكاني أساسا للتعامل بشكل متكامل وبكفاءة مع الأبعاد الأخرى للمشكلة السكانية (النمو السكاني المتسارع والخصائص السكانية غير المواتية لتحقيق التنمية الشاملة والتوزيع الجغرافي غير المتوازن).
إن المجتمع الذي ينمو فيه السكان بصورة سريعة سوف يعني تكوني هيكل عمري يتصف بصغر السن، بمعنى أن نسبة كبيرة من السكان سوف تكون عند سن صغيرة، وسوف يترتب على ذلك نتيجتان مهمتان لهذا الهيكل، الأولى على معدل الاعالة، والثانية هي أنه سوف يضع ضغوطا حادة على الاقتصاد لتوليد المدخرات للقيام بالاستثمارات اللازمة للصناعة ولكي يتم توفير الوظائف لهؤلاء الجدد في سوف العمل.
لان مصر تعانى وبشدة من التداعيات الثلاث للمشكلة السكانية، وهى النمو السكاني المتزايد، وسوء توزيع السكان، وتدنى مستوى الخصائص السكانية، فقد أدت المشكلة السكانية المزمنة التي تداخلت مع غيرها من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى تكوين مركب خطير ومتراكب ومعقد من المشكلات على مختلف الأصعدة، في مقدمتها الأعباء الثقيلة على الدولة في توفير السلع الأساسية والمواد الغذائية لهذا العدد من السكان، وأعباء توفير الخدمات العامة والمرافق، وتدهور المستوى العام للتعليم في جميع المراحل كما وكيفا، وتدهور مستوى الخدمات الصحية، والصعوبات البالغة في توفير فرص العمل لملايين الشباب المتعلم المؤهل، وارتفاع معدلات الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر، وتغول الاعتداء على الأراضي الزراعية وزيادة عدد المخالفات إلى أرقام لم نسمع بها، فضلا عن العديد من التداعيات السياسية والاجتماعية والأمنية الخطيرة على حاضر ومستقبل الوطن.
فخلال القرن العشرين تضاعف عدد سكان مصر من 20 مليون عام 1950 إلى 40 مليون عام 1978 وفى عام 2005 بلغ عدد السكان 70 مليون نسمة، وفى السادس من ديسمبر 2015 قد بلغ 86 مليون نسمة، وبلغ عام 2018 مائة مليون تقريبا وهو عدد يعادل ضعفي عدد سكان دول الخليج الغربي بمواردها النفطية الهائلة.
فيعتبر معدل نمو السكان في مصر أكبر بخمسة أضعاف من مثيله بالدول المتقدمة، ونحو ضعف معدل النمو السكاني بالدول النامية، وهذه الأرقام تعكس زيادة سكانية متغولة تتجاوز كل معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتستنفد جهودها وآثارها الإيجابية، وتؤثر في مقدرات المجتمع وحاضره ومستقبله على جميع الأصعدة، وتمس في المقام الأول حياة المواطن المصري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وثقافيا وأمنيا.
ظهرت البوادر الاولي للاهتمام بالمشكلة السكانية في مصر عام 1936 في كتاب العالم المصري الدكتور محمد عوض بعنوان “سكان هذا الكوكب ”. وفي عام 1937 عقدت الجمعية الطبية المصرية مؤتمرا عن اهمية تنظيم الاسرة من الناحية الصحية، وقتها صدرت فتوى من الازهر عن جواز تأجيل الحمل لأسباب تتعلق بصحة الأم، وفى شهر مايو عام 1962 تم اعلان الميثاق الوطني الذي نبه الي مخاطر الزيادة السكانية السريعة، وبدأت مصر في تبنى سياسة سكانية مرجعتيها الاساسية هي نظرية مالتوس الخاصة بخطورة زيادة السكان، وتم اعلان المبادرة من اجل تنظيم الاسرة وتم تأسيس الجمعية المصرية لتنظيم الاسرة وتخضع الي وزارة الشئون الاجتماعية.
وفي عام 1965 قامت الحكومة المصرية بأنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الاسرة برئاسة رئيس الوزراء لتخطيط وتنسيق الانشطة لتقديم خدمات تنظيم الاسرة، وفي عام 1972 أعيد تشكيل هذا المجلس باسم المجلس الأعلى لتنظيم الاسرة والسكان.
واعلنت الحكومة سياسة قومية جديدة للسكان لمدة عشر سنوات عرفت بالمدخل الاجتماعي والاقتصادي لخفض الانجاب، وفي عام 1984 انعقد مؤتمر لتقويم السياسة القومية للسكان عن فترة من 1972ـ1982 وقد انتهي المؤتمر بإصدار توجيه بأنشاء المجلس القومي للسكان، وفي عام 1985 صدر القرار الجمهوري رقم 19 بإنشاء المجلس القومي للسكان برئاسة رئيس الجمهورية ليكون مسئول عن مواجهة المشكلة السكانية جنباً إلى جنب مع بعض الأجهزة الحكومية والأهلية التي تعاونه في تحمل هذه المسئول، وقد عدل هذا القرار بالقرار الجمهوري رقم 32 لعام 1996 ليصبح المجلس برئاسة رئيس الوزراء، ثم عدل هذا القرار بالقرار رقم 218 لسنة 2002 ليصبح برئاسة وزير الصحة والسكان،( وعضوية كل من وزير الشئون الاجتماعية / الأعلام / الثقافة / الإدارة المحلية / التعليم / الأوقاف / الاقتصاد والتعاون الدولي / أربع من الشخصيات العامة ممن لهم خبرة في مجال السكان / مقرر المجلس القومي للسكان). ويمول من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالإضافة إلى مساهمة الحكومة المصرية ويهدف إلى:
: المسح السكاني الصحي والذي يتم كل أربع سنوات على مستوى الجمهورية وفي المرحلة الحالية يتم كل عامين،
. تنمية مهارات القائمين على العمل السكاني.
. تمويل وإجراء البحوث في مجال السكان وتنظيم الأسرة. ومن ناحية أخرى وتمهيدا لعقد ” مؤتمر القاهرة الدولي للسكان ” 1994 فقد تم استحداث منصب “وزير الدولة للسكان وتنظيم الاسرة”.
ومع بداية عام 1996 تم دمجها مع وزارة الصحة تحت اسم ” وزارة الصحة والسكان ” ليكون وزير الصحة والسكان هو المسئول الأول عن محور النمو السكاني في المشكلة السكانية، وتكررت تجربة وزارة السكان مرة اخرى عام 2015 ولكنها لم تستمر طويلا.
وعلى جانب النشاط الجماهيري وتقديم الخدمات للمواطنين فقد انقسمت الى مجالين اساسيين: الأول: هو تقديم خدمات التسويق الاجتماعي للوسائل خاصة مثل اقراص منع الحمل والوسائل الموضعية (للجنسين) من خلال وزارة الشئون الاجتماعية والجمعيات الاهلية بمراكزها بالمدن وعواصم المحافظات، وتولت وزارة الصحة الجانب الرئيسي من تقديم الخدمات لجميع وسائل منع الحمل على امتداد مصر كلها من خلال جميع الوحدات الصحية المنتشرة بجميع القرى بالإضافة الى المستشفيات بأنواعها ومستوياتها المختلفة.
ومارست وزارة الصحة دورا هاما منذ عام 1987 من خلال مشروع لتنظيم الاسرة باسم مشروع تنمية النظم ( System Development Project ) وتم فيه التركيز على تطوير الوحدات وتجهيزها وتدريب الفريق الصحي، و في عام 1994 تم الامتداد تحت اسم برنامج تحسين الجودة ( Quality Improvement Program ) ليشمل نظام التحكم في منع انتشار العدوى وتقديم وسائل منع الحمل للسيدات حسب معايير الجودة للخدمات الصحية ، تحت مظلة اعلامية شعارها ” وحدات النجمة الذهبية “، وتعنى تحقيق معايير الجودة في وحدات تقديم الخدمة التابعة لوزارة الصحة والسكان ومنحها شعار “النجمة الذهبية ” وسط احتفالات وترويج إعلامي بالتلفزيون لأماكن تلك الوحدات.
لذلك تأتي أهمية تبنى الممارسة المسئولة للحقوق الإنجابية والموازنة بين الاختيار الفردي والبعد المجتمعي بما يتيح لفرصة أيضا لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. وتعزيز الاتجاهات الداعمة لفترة من 3-5 سنوات، حتى يمكن تحقيق الأهداف السكانية والاستفادة من الفرصة الديموجرافية التي تتحقق بانخفاض مستويات الإنجاب.
والمحافظة على مستوى الإطار المؤسسي للتعامل مع المشكلة السكانية تأكيدا لاعتبارها مشكلة قومية تحظى بالأولوية، وهو ما يتطلب استمرارية المجلس القومي للسكان، برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء لما يعكسه ذلك من التزام سياسي ومشاركة لكافة العناصر الفاعلة. ضرورة تبني نظرة شاملة للمشكلة السكانية، حيث أنها ذات ثلاثة أبعاد تتمثل في البعد الخاص بالنمو السكاني، وآخر يتعلق بسوء التوزيع.
أما الثالث يتعلق بتدني الخصائص السكانية. فالهدف الرئيسي هو تحسين الخصائص السكانية، وضبط زيادة السكان، ومن ثم فيجب مراعاة زيادة نسبة الإناث في قوة العمل، وتصحيح الخلل والتوزيع المتكافئ للسكان بين المحافظات المختلفة، والتشجيع على تبني مفهوم الأسرة الصغيرة، وتكثيف حملات التوعية المجتمعية، من أجل ضمان نجاح السياسة السكانية. وتوسيع نطاق مشاركة منظمات المجتمع المدني في تقديم خدمات تنظيم الأسرة وفقا للأولويات ومعايير الجودة المحددة باعتبارها ضرورة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للبرنامج القومي للسكان وتنظيم الأسرة.
ومشاركة منظمات المجتمع المدني في الدعوة لمفهوم الأسرة الصغيرة القائمة على طفلين وممارسة تنظيم الأسرة. • تكليف وزارة الصحة والسكان بالتعاون مع الاتحاد العام للجمعيات الأهلية في تحديد أسس وبرامج دعم الجمعيات الأهلية العاملة في مجال توفير خدمات تنظيم الأسرة في المناطق ذات الأولوية بالجودة المحددة والتكلفة المناسبة، من خلال إمدادها بالوسائل والأطباء، الطبيبات، وتدريبهم بالاتفاق والتعاون مع وزارة الصحة والسكان، تكليف اللجنة التنفيذية للمجلس القومي للسكان باستحداث آليات للتنسيق بين الإدارات المعنية بمنظمات المجتمع المدني في الوزارات ذات العلاقة بالبرامج السكانية.
واستمرارية الحملة الإعلامية القومية للحفاظ على وضع المشكلة السكانية وتبعاتها في بؤرة اهتمام المجتمع واعتبار السياسات السكانية مكوناً أساسيا للسياسة الإعلامية القومية. وتنويع مداخل التعامل الإعلامي مع الأبعاد المتعددة للمشكلة السكانية وفقاً للشرائح الاجتماعية المختلفة وبما يتناسب مع خصائص تلك الفئات المستهدفة.
والالتزام بالأساليب العلمية في كافة مراحل التخطيط والتقييم والمتابعة للحملات الإعلامية. وتفعيل دور الدراما التليفزيونية والإذاعية، من خلال الآليات والأساليب المناسبة، لدعم تبنى الاتجاهات الإيجابية في مواجهة المشكلة السكانية.