من يتابع أخبار قضية الفساد التي تورطت فيها رئيسة كوريا الجنوبية "بارك كون هيه"، يجد فيها النسخة المكبرة لما يأتي إلينا كل موسم في تقرير ديوان الرقابة المالية، وما نتابعه في الصحافة المحلية من قضايا يقال عنها بأنها قضايا "فساد" ولكن لا نعرف عنها سوى وقائع لشخصيات مجهولة للعامة.
واختصاراً لوقت القارئ ومساحة المقال فقضية
فساد رئيسة كوريا تتلخص في قيام صديقتها "تشوي سون سيل" وهي إبنة زعيم طائفة
دينية في كوريا الجنوبية، وبالتواطؤ مع "آن تشونج بوم"، المساعد الرئاسي
السابق ومساعد آخر باستغلال السلطة في الضغط على شركات كبيرة لتقديم مساهمات مالية
لمؤسسات، حيث أجبرت بعض الشركات الكبرى على منحها فوائد وامتيازات لأعمالها، وكان على
رأس تلك الشركات "لوتيه" العملاقة فى قطاع التجزئة، و"هيونداي موتور"
لصناعة السيارات، و"بوسكو" لصناعة الصلب، و"كي تي" للاتصالات،
وقال مسئولو الادعاء، إنهم يعتقدون (مجرد اعتقاد) أن الرئيسة شريكة في فضيحة الفساد.
ومازالت القضية تأخذ كل يوم منحى جديداً،
حيث وقفت الحصانة الدستورية للرئيسة أمام توجيه اتهام لـها من قبل الادعاء العام، فبموجب
الدستور الكوري لا يمكن توجيه إتهام لرئيس في المنصب إلا في حالة الخيانة، لكن ما خلص
إليه الادعاء من تواطؤ الرئيسة في القضية أثار دعوات جديدة من أحزاب المعارضة لها لتقديم
استقالتها، فضلاً عن المظاهرات الشعبية التي تضغط أيضاً في هذا الاتجاه، وتتزايد رغم
محاولاتها التغلب على الفضيحة بإجراء تغييرات في الحكومة، وقد استدعاها البرلمان للمثول
أمامه فرفضت ذلك.
وتنحصر أوجه الشبه بين كوريا والبحرين في
قضايا مشابهة، في الاعتراف بوجود فساد والإعلان عنه وهذا أمر جيد وحميد، لكن الاختلاف
هو في مجهولية الأشخاص التي يرد حولهم موضوعات الفساد، فيبقى المواطن - وكذلك الصحافة
- بعيدين عن معرفة أو ذكر اسم الشخص الذي يعتقد بأنه فاسد، وقد يعارضني البعض بالقول
أن التشهير بشخص قبل ثبوت إدانته هو أمر يجرمه القانون، وفي رأيي أن من يقول ذلك فهو
يشكك في نزاهة وحرفية بل ويتهم مسؤولي الرقابة بأنهم يشهرون بشخصيات ومسؤولين دون سند،
وهو أيضا أمر بعيد عن الواقع بدليل استلام صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه
للتقرير والقبول بما ورد فيه، وكذلك التوجيهات الصادرة من قبل صاحب السمو الملكي رئيس
الوزراء حفظه الله ورعاه بالتحقيق فيما ورد بالتقرير والتعامل معه بحزم وجدية، ثم يأتي
بحث مجلس النواب "ضمن جلسات علنية ومذاعة" ما ورد من مخالفات، فلماذا لا
يتم إعلام المواطنين بأسماء الشخوص الواردة في التقرير؟
ندرك تماماً أننا في الأساس مجتمعات قبلية
ونرفض عادة مبدأ الفضائح ونعتبرها خسة ونذالة ولا يصح التشهير بالناس.. والله ستار
على عباده.. والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.. وكثير من الأقوال المأثورة تصب في
هذا الاتجاه، لكن كيف ندعي بأننا دولة مؤسسات ولا نعطي للمؤسسات صلاحياتها، ونسمح للمجاملات
بالطفو فوق القانون.
وسنتابع خلال المرحلة القادمة المسلسل نفسه
بالتأكيد على ضرورة محاسبة الفاسدين، فيبدأ السادة النواب بالتصريحات النارية الداعية
بقوة لاستدعاء الوزراء واستجوابهم "وهو ما لن يحدث"، رغم أن استجواب الوزراء
هو أدنى مستويات المحاسبة في قضايا الفساد، والذي من المفترض أن يتم إقالة بعض المسؤولين
المتورطين بعده، بدﻻ من تغيير مواقع عملهم وكذلك ليتم محاكمة آخرين كما هو الحال في
دول المؤسسات والقانون.
الخلاصة والدرس المستفاد من قضية فساد رئيسة
كوريا ومسؤولين في إدارتها، هو أن الفساد موجود في كل المجتمعات، ولا عيب أن نعترف
به ونقر بوجوده وﻻ يجب ان نتعامل معه بصفته أمر طبيعي، فقد خلق الله الخير والشر، وترك
الشيطان يحتنك بنو آدم، فدعونا نعيش التجربة ونحاول تجاوز سلبياتها دون مواربة أو خجل
ونشخص المرض لنتمكن من علاجه.