طباعة
sada-elarab.com/758296
عندما هل علينا الشتاء ببرودته والأمطار المتقطعة كان حديث مجالس مملكة البحرين عما مرّ بنا من عواصف وبرد وأمطار في الستينيات، وتحديدًا كما ذكر الأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الذوادي في جريدة الوطن البحرينية، إن ذلك كان في يناير 1964م وكنا نحن في مقاعد الدراسة، وإذا الفرحة فرحتان، فرحة بنزول الأمطار الغزيرة والبرد وتعطيل المدارس، وبالمقابل كانت الخشية من الرياح العاتية ووقتها لم تكن المنازل كما هي اليوم، ولكن كانت التدفئة فيها تقوم على أساس الجمر الذي هو نتاج الفحم لم تكن النوافذ بذلك التحصين الجيد، ورغم أن الأجداد والآباء كانوا قد تعودوا على هذا الجو في بعض أيام الشتاء إلا أنه في الستينيات يناير 1964م كانت ظاهرة أن ماتت الأسماك في البحر نتيجة تجمد ماء البحر أو قل برودته غير المعهودة وكانت المفاجأة أن الأنواع الكثيرة من الأسماك صغيرها وكبيرها ألقت بها الرياح إلى الشواطىء وأصبح «السيف» مملوءًا من شتى أنواع الأسماك وأحجامها بعضها نعرفه وبعضها لا نعرفه وكنا نفرح بالتقاط هذه الأسماك من على الشاطىء بعضها ميت والبعض الآخر مخدر، وكنا لا نعرف أين نخزن هذا الكم من الأسماك فلم تكن عندنا، خصوصًا في القرى ثلاجات كبيرة أو مثلجات، وكان البعض لجأ إلى تجفيف هذه الأسماك بالملح الطبيعي ايذانًا لنشرها في الشمس عندما يصفو الجو والبعض الآخر نقل هذه الأسماك إلى سوق السمك بالعاصمة المنامة، خصوصًا الأسماك النادرة والمطلوبة، وحتى السلاحف لم تسلم وقتها من البرد وتعرضت مثل غيرها من الأسماك وإن كان صبرها على البرد أكثر لكنها أصبحت مخدرة لا تستطيع العوم والرجوع إلى أماكن تواجدها.
كما استمعنا إلى قصص كان يرويها شهود عيان عن أن بعض سفن البضائع اضطروا يرمون بضاعتهم بأشكالها المتنوعة في البحر منجاة لأنفسهم وللسفن التي تحملهم، وبدأ الناس خصوصًا الذين تقع مدنهم وقراهم على «السيف» السواحل يجمعون هذه البضائع المتناثرة في البحر ويخزنونها أو يبيعونها وإن كانت قد ظهرت فتاوى إن هذه البضاغة لأناس صرفوا عليها الكثير وينتظرون منها الكثير ولا يجوز أخذها واستخدامها أو بيعها وإن من يعثر على كميات منها الأولى أن يسلمها للجهات المختصة، بينما نظر لها البعض الآخر بأنها رزق والإستفادة منها للأغراض الشخصية لا بأس عليها.
ولكون مملكة البحرين يحيط بها البحر من كل جانب وبها ثلاثة وثلاثون جزيرة، فقد كانت الأسماك تملأ الساحات والأسياف والكل ذهب إلى الشواطىء لأخذ نصيبه من الأسماك ويومها تعطلت المدارس وبعض الأعمال فتفرغ الناس لإلتقاط الأسماك وما يجود به في البحر من خيرات... وقال لنا عمال شركة النفط بابكو أن أشجار العوالي شهد الثلج على بعض الأشجار نتيجة الصقيع تجمد ماء الندى خصوصًا في فجر ذلك اليوم وكانوا لأول مرة يرون الثلج على الأشجار في البحرين.
وكانت جريدة «النجمة الأسبوعية» التي تصدر عن شركة النفط بابكو قد نشرت صور هذا الثلج «الصقيع» على الأشجار، ويا ليت من يملك مثل هذه الصور يذكرنا بها وأحسب أن الفنان والمصور المبدع السيد عبدالله محمد عبدالرحمن الخان، بو يوسف صاحب بيت البحرين للتصوير يملك مثل هذه الصور، وكذلك أرشيف شركة نفط البحرين بابكو..
ذكريات بقت في ذاكرة من عاش في ذلك الزمان وتروى للأبناء والأحفاد عل فيها عبرة وعضة.
رغم صعوبة الحياة في تلك الأيام إلا أننا صبية وبنات كنا فرحين بهذة الظاهرة الطبيعية التي رسمت تاريخًا كنا في شوق لرؤية خيارات بحرنا وسمائنا، وطبعًا كنا فرحين بأنه عطلت المدارس وبعض الأعمال وأصبحنا مجتمعين في بيوتنا، وبعض الآباء والأجداد ذكرونا بسنة «الطبعة» مساء يوم الجمعة 28 سبتمبر 1925م أي قبل 100 عام والتي ذهبت في التاريخ باسم «سنة الطبعة» التي افتقدنا فيها بعض من أهلنا وهم في مهنة الغوص على محار اللؤلؤ أو صيد البحر ومن بينهم عم الوالد يرحمه الله أحمد بن صالح الذوادي، وذكرونا بتلك القصص المؤثرة مع إننا سمعنا أن بعض السفن في تلك الفترة من الستينات غرقت وبعضها لم تسلم من النيران.
إن الأيام على صعوبتها تظل ذكراها خالدة في نفوس من عايشها وعندما نستمع إلى هذه الروايات فالبعض يصدق والبعض لا يتصور ذلك، فقد اعتدنا على جو الشتاء ببرودته المعقولة وبأمطاره المعهودة أما ما حدث في الستينيات فهو خارج التصور... من الطرائف أن جارنا في شمال البديع يرحمه الله إبراهيم بن أحمد النصار كان عنده دكان في الفريج يبيع فيه بعض المعلبات وكذلك المكسرات، وكان أن نشر على سقف بيته بعض المكسرات لتنشف تحت أشعة الشمس ثم يبيعوها على الزبائن، ولما جاءت الريح القوية ألقت بهذه المكسرات على الأرض المقابلة لدكان «أبي خليل» يرحمه الله، فصرخ في وجه أطفال الحي الذين يجمعون المكسرات، ويقول لهم: هذه بضاعتي لا تأخذوا منها شيئًا، وكان لطيبته وحبه لأبناء قريته وحيه أن تجاوز عن بعض التصرفات.
إن العربي كالمعتاد يفرح بموسم المطر عندما يكون في الوسم، لأن البر حينئذ يكون قابلاً لنبات «الفقع» الكمأة الذي هو أحد ثمار السماء الذي يستبشر به العربي، والحمد لله كان ينمو في وطننا وجزرنا في الموسم كما ينمو في دول مجلس التعاون الخليجي وبعض البلاد العربية كالجزائر وليبيا والمغرب وصحراء جمهورية مصر العربية وموريتانيا والعراق وسوريا.
كم نحن نشتاق إلى ثمار الفقع «الكمأة»، فهو يعتبره العربي أحد ثمار السماء عندما تجود بالمطر الوسمي.
تظل الطبيعة تجود بخيراتها على أوطاننا، ونحمد الله أن لكل موسم بريقه وقيمه ومعانيه ولا نملك إلا الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بخيرات السماء لننعم بخيرات الله سبحانه وتعالى التي لا تُعد ولا تُحصى.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..