طباعة
sada-elarab.com/716807
منذ كنا طلابًا في كلية الحقوق، تشبعت أنا ورفاقي بحبه وبالرغبة في أن نسلك وجهته، ستون عامًا داخل دروب المحاماة، أعوام ملئت بفصاحة اللسان، وكان من حسن الحظ أن نكون خريجي جامعته "القاهرة"، فكان معتزًا بمنبر علمه، ليزيد من يسمعوه عرفانًا بدراستهم الأكاديمية.
ضرب –رحمه الله- مثلًا قيمًا في دفاعه عن مصر بقلمه، مثقف عاش في دروب العلم، وسطي القلب والقلم.
نادت المحاماة الأستاذ رجائي عطية -رحمه الله- ليبقى بجوار المظلومين، مترافعًا جسورًا في "قضايا غيره" التي آمن بها، فقيه في القانون، علامة في حل أصعب العقد.
كنا أمامه نقسم بشرف سر هذه المهنة، لنحمل بطاقة مدونًا عليها توقيعه نقيبًا لمحامي مصر، لم ولن ننسى هذا التاريخ، علمنا بكلمات مؤثرة معنى أن تكون محاميًا، وعلمنا أن السير في المهنة يجب أن يكون بشرف وثقة، ومعهما ثقافتك في شتى العلوم.
يرحب بأبنائه وهو يبتسم ابتسامة لن أنساها، وهو يلقى كلمات تؤكد أن سعيه الوحيد تثبيت المهنية، ويشرح معنى القسم:
"يجب عليكم الوقوف على كل كلمة وما تعنيه، فالشرف والأمانة والاستقلال المنصوص عليهم في اليمين القانونية هم لبّ العمل بالمحاماة، المحامي يجب أن يكون أمينًا على سر موكله الذي يطلعه عليه، وأمينًا في أداء المرافعات، وهي القاسم المشترك مع الشرف، كما أن المحامي إذا فقد استقلاله، فقد قدرته على أداء الرسالة".
آمن بأن المحاماة هي "الكلمة"، وتوج ذلك في مستهل كتابه "رسالة المحاماة" قائلًا: "لم تكن مصادفة أن تعانقت الكلمة والمحاماة، فبينهما علاقة وتأثير متبادل يصل حد الاندماج، كلاهما يأخذ من الآخر ويصب فيه، لذلك ظلت المحاماة على صلة دائمة لم تنقطع أبدًا بالأدب والفكر والثقافة".
ويقول في مقدمة كتابه "أهرامات المحاماة": "أرباب الكلمة إبداعًا وتأليفًا وخطابة ومحاماة، صفحاتهم جمعت مزايا وعطاءات عديدة ومتنوعة، كانوا جميعًا قممًا في الوطنية، وقممًا في المحاماة، وقممًا في القضاء، وقممًا في اللغة العربية والأدب، وفى المواقف التي اتخذوها من أجل وطنهم، ومن أجل المبادئ التي رسوخها".
عمل جاهدًا بين المحاماة والتأريخ والثقافة بشكل عام، لتنتهي حياته وهو يدافع عن القيم والأخلاق التي تُبنى عليها أخلاقيات المهنة، ويتفرغ تمامًا ليلقى محاضراته التي لم تنقطع بدروس يتلوها كل يوم على زملائه يمنحهم فيها مما أتى من علم.
ليصعد إلى ربه وهو في محراب العدالة، متعكزًا على علمه وإيمانه، ليترافع بقضية تخص أحد السادة المحامين، ليودع عالمنا برداء الدفاع، ودع الجميع ورايته رسالة، وغايته الازدياد من رفعة زملائه وأبنائه وتلاميذه.
سلامًا يا مُحب المحاماة.