طباعة
sada-elarab.com/71660
كانت دعوة كريمة من عائلة البوعينين بمحافظة الجبيل يوم السبت 18 نوفمبر 2017م، لباها سعادة السيد صالح بن عيسى بن هندي المناعي مستشار جلالة الملك لشؤون الشباب والرياضة، وسعادة السيد سلمان بن عيسى بن هندي المناعي محافظ المحرق، وأبى المستشار والمحافظ إلا أن يدعوَا أصحابهما في زيارة ودية لمدينة التاريخ والعراقة الجبيل بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة. والجبيل كما هو معروف كانت من أهم الموانئ التي كانت البحرين قد ارتبطت بها مثلها مثل دارين أيام الغوص والسفر والتجارة البينية. يتذكر المستشار والمحافظ كيف كانت سفن الطواشة تجوب البحر لتعرج على دارين والجبيل، فيقضي أهل البحرين مع أشقائهم أجمل الأوقات ويسعدوا بضيافة أهلهم وعشيرتهم وأقربائهم وأصدقائهم من أهل الجبيل ودارين.. كان اللؤلؤ وقتها السلعة الرائجة وكان الرابط الذي انطلق منه أبناء الجزيرة العربية إلى أسواق العالم ومنها إلى شبه الجزيرة الهندية. والبحرين كانت كالعهد بها منطلق التجارة وتبادل السلع ومن موانئها تنطلق البضائع إلى الجزيرة العربية والخليج العربي..
ظل جبل الجبيل الذي كانت تحيط به يوماً أمواج البحر، شامخاً وهو يستقبل ويودع سفن الغوص والتجارة التي كانت تجوب البحر وفيها الرزق والخير ظل هذا الجبل يتوسط الآن وقد أصبح جزءاً من اليابسة في موقع قريب من موانئ الجبيل، التجارية والصناعية وموانئ الصيادين، وهو شاهد على عصر العطاء والخير والنماء والأمن والاستقرار الذي يظلل المنطقة وسيظللها إن شاء الله بفضل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية حفظه الله ورعاه.
أن تزور هذه المناطق التي كان يحدثنا عنها الأجداد والآباء فإنك بلا شك في شوق لرؤيتها والاستماع إلى رجالاتها وهم يروون الحكايات ويسردون الدور التاريخي لتلك الأماكن التي تحن إليها الأفئدة وتتعلق بها الأفكار وتشرأب إليها الأعناق، ويزداد الحنين لمعرفة الكثير عن هذه المناطق وأهلها الذين عاشوا البساطة بكل تجلياتها، واتسموا بالطيبة والأخلاق والصفات الرفيعة والشمائل الراقية..
في طلب الرزق والعيش الكريم تعاونوا مع بعضهم بعضاً، كانت كلمة الرجال وحدها شاهدة على التعامل التجاري والاقتصادي فيما بينهم، البقاء معهم ليالي وأيام وتبادل الزيارات والمصاهرة عناوين راسخة للترابط والألفة التي تجمعهم وتوحد كلمتهم وتحمي حماهم وتذود عن حياضهم... جمعتهم الأسفار في بلاد الغربة، لكنهم لم ينسوا عروبتهم وقوميتهم والأرض التي ينتمون إليها خاطبوا الغريب باللغة التي توحدهم ليس لساناً فقط وإنما بالمشاعر والأحاسيس والآمال والتطلعات... روجوا لبضائعهم التي يفخرون بها، فاللؤلؤ بألوانه المتعددة وأحجامه المتباينة كان هو السلعة الأسمى في ربط طريق التجارة وربما طريق الحرير الذي كانت موانئه العنوان الأبرز..
أن تكون في الجبيل فهذا يعني أنك في جزء عزيز من الأرض الطاهرة المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية فيها تستحضر التاريخ والحضارة والنهضة ومن هنا ومن هذه المنطقة تحديداً جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً ازدهرت حضارة دلمون التي اشتهرت بها البحرين في مراحلها المتداخلة والمتعددة، دلمون المبكرة والوسطى والمتأخرة، ومن هنا كانت حضارة تايلوس وارتباطها بحضارة وادي الرافدين والحضارة اليونانية والرومانية والفرعونية إلى فجر الديانات ونور الإسلام العظيم الخالد، وشهدت البلدان وبعض المدن في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي رموز هذه الحضارات المتعاقبة، كالبحرين والجبيل ودارين وفيلكا. نقرأ التاريخ ونستشعر ملامحه لنعيد إلينا توازننا وندرك أن ما نشهده اليوم إنما تمتد جذوره إلى أعماق التاريخ، فأمة تعتز بتاريخها وماضيها وقيمها أمة تكتب لها الحياة مادامت تحافظ على كينونتها وقيمها ومعتقداتها والثوابت والقيم المتأصلة في أهلها ورجالاتها.
لم يكن هناك في يوم من الأيام أمام الأجداد عوائق تحول دون تواصلهم مع بعضهم بعضاً، طوعوا البحر ليكون وسيلة لتنقلهم للعيش والتزاور وصلة الأرحام. كانت فرضة المحرق وفرضة المنامة منطلق أهل البحرين لبقية بلدان الخليج العربي وشبة القارة الهندية وبعض البلدان العربية، وجاء جسر الملك فهد هذا المشروع الحضاري والقومي الرابط بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين لينقل التواصل بين الشعبين وبقية الشعوب إلى آفاق أوسع ومجالات أرحب فهو كما وصفه الشاعر المرحوم المبدع غازي القصيبي في قصيدته عام 1986 بمناسبة افتتاح جسر الملك فهد:
دربٌ من العشقِ لا دربٌ من الحجرِ
هذا الذي طار بالواحات للجزرِ
ساقَ الخيامَ الى الشطآن فانزلقتْ
عبرَ المياهِ شراعًا أبيضَ الخَفَرِ
ماذا أَرَى؟ زورقًا في الماءِ مُندفعًا
أم أَنه جملٌ ما ملَّ من سفرِ؟
وهذه أغنياتُ الغوصِ في أذني
أم الحداةُ شَدَوا بالشعرِ في السَحَرِ
واستيقَظَتْ نخلة ٌ وَسنَى تُوَشوشُني
من طوَّقَ النخلَ بالأصدافِ والدُررِ؟
نسيتُ أين أنا إن الرياضَ هنا
مع المنامةِ مشغولانِ بالسمَرِ
أم هذه جدةٌ جاءتْ بأنجُمِهَا
أم المُحَرقُ زارتَنا معَ القَمَرِ
وهذه ضحكاتُ الفجرِ في الخُبرِ
أم الرفاعُ رَنتْ في موسمِ المطرِ
رحم الله الشاعر غازي القصيبي، ورحم الله من أرسى دعائم التواصل بيننا ولقننا أهمية أن نتفانى في حب بعضنا بعضاً، وأن نحافظ على أوطاننا ونذود عنها بالأرواح والمهج.
إنها سويعات قضيناها في مدينة الجبيل بين أهلها ومحبيها فأثارت شجوننا وجددت فينا أمل التواصل والمحبة، فقد غمرنا أهل الجبيل بكرمهم ولطفهم وطيب معشرهم، وذكرتنا أحاديثهم بصلة القرابة والأهل والجيرة فعائلة البوعينين ممتدة الجذور تجمعهم المحبة والمودة وعشق الأوطان.
فتحية واجبة لمن بادر بهذه الدعوة وجهود مقدرة للمستشار صالح بن هندي والمحافظ سلمان بن هندي ورجل الأعمال عبدالعزيز بوزبون وابن الجبيل السيد مطر سعد البوعينين وكل من وضع بصمة خير لإنجاح زيارة الأهل والأحبة في جبيل الخير والعطاء والكرم.
وعلى الخير والمحبة نلتقي