طباعة
sada-elarab.com/70762
دأب الناشط الاجتماعي، والرجل الذي قرر أن يبدأ مشوار التقاعد صالح بن علي، على إقامة مهرجان سنوي للمتقاعدين وأصحاب المجالس وروادها.
وكان يوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2017م الموعد لهذا المهرجان في نسخته الخامسة بنادي ألبا بالرفاع، وحضره لفيف من المتقاعدين من الجنسين وأهاليهم وأصدقائهم وزملاء عملهم، بالإضافة إلى بعض المسؤولين ورؤساء الجمعيات الخيرية والاجتماعية والداعمين للمهرجان السنوي والإعلام والصحافة المحلية.
والاحتفال اتخذ صفة التجمع الودي الحميمي، ومنذ انطلاقة المهرجان في نسخته الأولى، وأنا أفكر كيف لفرد متقاعد أن يواصل مشوار الاحتفال بإمكانيات محدودة ولكن بعزيمة وإصرار ربما لا حدود لهما، وحتى مع وجود ذلك، فعادة ما كنا نجد أن الزمن أحياناً يقسو فيدب الفتور والتراخي فيتراجع البعض عن تكملة المشوار، وشهدنا مناسبات كانت البداية تحمل رقم (1)، وإذا بها تنتهي عند هذا الرقم ولا تقفز إلى ما بعده وتنتهي وتصبح في خبر كان.
المتقاعدون في بلادنا تضم بعضهم جمعية نشطة تقوم بأنشطة سنوية أو موسمية ولها مقر معروف، هذا لا يمنع من إقامة أنشطة أهلية أخرى يقوم بها أشخاص مبادرون، لأنه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن قدرة وعطاء المتقاعدين ليس لها حدود طالما توفرت الإرادة والعزم والتصميم على المضي قدماً في تنفيذ أنشطة يجدون فيها ضالتهم وتحقق لديهم الرضا والقبول النفسي.
إن المتفحص والراصد لأنشطة مجالس أهل البحرين ممثلين في أصحاب هذه المجالس ورؤسائها وروادها، يدرك تماماً دورهم الإيجابي في مجتمع مملكة البحرين وخاصة أن المتقاعدين يؤمونها، وكانت المجالس في البحرين كما يحلو لأجيال سبقت أن تصفها بأنها مدارس، ففيها يلتقي الناس برجالات كانت لهم جولات وصولات في طلب الرزق والأسفار، والمكانة الاجتماعية المرموقة، كما كانت لهم أدوار لا تنسى في التكاتف والتعاون وإصلاح ذات البين والمحافظة على التوازن الاجتماعي والتزاور في الأفراح والأتراح، وأداء الواجب الوطني والإنساني.
المتقاعدون هم بحكم العمر، وبحكم أن الحياة في استمرارية، يسلمون الراية إلى من يأتي بعدهم، ويمكننا أن نقول بأنها سنة الحياة.
فالأقدمون كانوا مدركين لهذه الحقيقة، غير أنهم لغيرتهم على مجتمعهم وحرصهم على التعاون فيما بينهم، وإيمانهم بأن الفرد الواحد منهم قوته ومنعته مع الأفراد الآخرين في المجتمع.
قربتهم الجوامع والمساجد، والمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية، وإحساسهم بالمسؤولية في أن يحفظوا للمجتمع توازنه والحرص على المكتسبات التي يحققها وحققها الوطن.
آثروا أن يفتحوا مجالسهم للأصدقاء والمعارف والجيران ولمن يأتي زائراً لهم من مختلف البلدان الشقيقة والصديقة.
وباتت المجالس في مجتمع البحرين الصغير، والكبير في طموحاته وتطلعاته منارات وعلامات بارزة تميز هذا المجتمع وتضم بين جنباتها خبرات وتجارب عملية وحياتية ومفاهيمية واسعة.
نحتاج إلى أن نعرف جيداً كيف نستفيد من كل تلك الخبرات والتجارب، وإلقاء الضوء عليها ودعمها ومؤازرتها والإقرار بها وبأدوارها وبما يمكن أن تتحمله من مسؤوليات لا نبالغ إذا ما قلنا إنها جسام.
المتقاعد ليس ذلك الإنسان الذي ألقى بعصى الترحال، وأصبح كما قد يظن البعض والعياذ بالله «عالة على المجتمع»، وإنما هو إنسان يحمل كل طاقة العطاء مادام الله قد منَّ عليه بالصحة والعافية وطول العمر.
قد يحتاج الواحد منهم للتأهيل وهذا ليس عيباً أو نقيصة أو مثلبة، فالغربيون يعملونها وكذلك في دول الشرق، فتأهيل المتقاعدين بعد هذا العطاء أمر مشروع بل هو مقنن ومبني على دراسات وأبحاث، وأصبح بدون مبالغة علم، يتعلمه المرء.
والعلم يُطلَب، كما علمنا من قبل، «من المهد إلى اللحد»، وديننا الحنيف وكذلك كل الشرائع السماوية تحث على طلب العلم والمعرفة في مضانها أينما وجدت.
إن مثل هذه الاحتفالات أو المهرجانات ميزتها أنها تقرب الناس من بعضهم بعضاً وتغرس فيهم حب العمل والإيثار، وتؤكد على أهمية التواصل الاجتماعي الذي نحن بحاجة إليه باستمرار.
قد يظن البعض أن فتح مجلس أمر بسيط، ولا يتطلب جهداً أو مشقة وهذا لعمري مفهوم قاصر؛ لأنك عندما تفتح مجلساً فأنت بالضرورة ملتزم، وهذا الالتزام يفرض عليك مسؤوليات وتبعات قد لا يستطيع البعض الوفاء بها وهنا مربط الفرس، هي وجاهة في منظورها البسيط، لكنها في جذورها وأعماقها بعيدة الأهداف والمرامي، والمحافظة على ما تتبعه من واجبات تنوء به العصبة ذوو القوة إلا من رحم ربك، والمهم أن ينجح هذا المجلس في استقطاب الناس بكل فئاتهم وأطيافهم وخبراتهم وتجاربهم وأن يجدوا فيه ملاذهم وأنسهم ومسراتهم.
المتقاعدون أعزائي القراء، ثروة إنسانية وطنية وتأهيلهم لحياة أخرى من مسؤولية الدولة ومن مسؤولية المجتمع المدني.
وعندما يقام أي نشاط لهم فإن من واجبنا الوقوف معهم ومؤازرتهم ويقيناً فإن للمحافظات والمحافظين في بلادنا الدور الكبير، كما أن مؤسساتنا التجارية الكبرى عليها مسؤوليات تجاه هؤلاء، وكذلك الوزارات والمؤسسات والشركات التي كانوا يعملون فيها وكذلك مؤسساتنا التشريعية النواب والشورى.
إنها باختصار مسؤولية وطنية علينا جميعاً النهوض بها وتحملها.
صالح بن علي وغيره من الأخوة المتقاعدين يحدوهم الأمل في التواصل الحميمي بينهم جميعاً، وأي مناسبة تجمعهم وتوحد صفوفهم أكيد فيها منفعة لهم ولمجتمعهم، وتطوير التشريعات القانونية المنظمة لضمان عيشهم الكريم ستكون مقدرة ومعتبرة من الجميع.
قد يزداد عدد هؤلاء المتقاعدين عما هم عليه الآن، خصوصاً عندما ندرك بأن باب التقاعد المبكر لازال مفتوحاً في بعض الوزارات والمؤسسات والشركات، ومن هنا يستلزم منا أن نهيئ أنفسنا ونهيئ المجتمع للتعامل الإيجابي مع هؤلاء وتوفير العيش الكريم والآمن لهم.
بارك الله في كل جهد يُبذل، وفي كل يد تمتد لعمل الخير في هذا الوطن الغالي علينا جميعاً.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.