تحقيقات
«حرب غزة».. ورقة ضغط على خريطة الاقتصاد المصرى.. والخبراء يؤكدون: اتساع الصراع سيمثل صدمة اقتصادية جديدة لا نريدها
الخميس 30/نوفمبر/2023 - 06:54 م
طباعة
sada-elarab.com/707354
خالد الشافعى: لابد من التصدى لتأثيرات الحرب فى غزة وتداعياتها على الدولة المصرية.. ومصطفى بدرة: تأثيرات الحرب لا تزال غير معروفة فمن الممكن أن تتغير الأوضاع مع تطور الأحداث
فى السابع من أكتوبر بدأت عملية "طوفان الأقصى" التى أطلقتها حركة حماس، وردت إسرائيل عليها بعملية تسمى "السيوف الحديدية"، ومن هنا بدأ الصراع يتصاعد بين الطرفين مما أسفر عنه العديد من الضحايا المدنيين الفلسطينيين بعدما شن العدوان الإسرائيلى هجماته الشنيعة على قطاع غزة، مما أثار الغضب لدى بعض الشعوب خاصة مع محاولة إسرائيل التهجير القسرى للفلسطينيين والتخلى عن أراضيهم، وهنا ظهر موقف مصر الذى ظل منذ 1948 داعماً للقضية الفلسطينية فقد حذرت مصر من التداعيات الخطيرة لتصاعد العنف ودعت الأطراف الدولية المعنية إلى التدخل لتحقيق وقف إطلاق النار.
منذ ذلك الحين، بدأت مصر بالإعلان عن إجراء اتصالات مكثفة لوقف إطلاق النار كما قامت بمنع خروج الأجانب من قطاع غزة عبر معبر رفح فى حالة عدم سماح إسرائيل بإدخال المساعدات إلى القطاع، وأعلنت محافظة شمال سيناء استعدادها لاستقبال أى حالات إصابة قادمة من قطاع غزة فى مستشفياتها، إضافة إلى نجاحات الدولة المصرية فى تأييد دولى لمنع تصاعد الصراع الحالى وتوسيع نطاقه إلى مناطق أخرى، إضافة إلى التعاون الدولى لدفع جهود إحياء عملية السلام وتنفيذ حل للدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية وفقًا للشرعية الدولية، كما وقفت مصر فى وجه المؤامرة الإسرائيلية لتهجير سكان غزة وتصفية القضية الفلسطينية.
نتيجة للتوترات السياسية والجيوسياسية أثر ذلك على الاقتصاد العالمى، وبرغم مرور وقت قصير على اندلاع الحرب فى غزة، إلا أن الاقتصاد العالمى واقتصاد منطقة الشرق الأوسط تأثروا بشكل سلبى من تصاعد هذا الصراع، بما فيهم الاقتصاد المصرى الذى أدى الحرب فى زيادة الضغوط الاقتصادية عليها، حيث تواجه مصر فى الوقت الحالى تحديات صعبة تعد الأصعب فى تاريخها، فقد بدأت تداعيات الحرب تؤثر على مصر فى مجالات مختلفة منها مجالات إمداد الطاقة، وأسعار الغذاء والدواء، وقطاع السياحة وإلخ، وذلك نظراً للعوامل الجغرافية والسياسية وتشابك المصالح فى المنطقة، ومن هنا قررنا إجراء تحقيق صحفى حول تداعيات هذه الأزمة من الناحية السياسية والاقتصادية، وإلى متى سيستمر هذا الوضع، وما الحل للقضية الفلسطينية؟!.
فى البداية، قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادى، بأن الحرب الحالية فى فلسطين نتج عنها تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد فى المنطقة العربية والعالم بأسره، وليست مصر فقط، مشيراً إلى أن تعطل إمدادات الوقود والغاز قد يؤدى إلى تأثيرات سلبية على معدلات التضخم العالمية، مضيفاً إلى أن هناك صدمة فى أسعار الطاقة بسبب الحرب فى روسيا أضيفت لها التوترات فى قطاع غزة، منوهاً إلى أن ذلك سيعمل على زيادة تكاليف الغذاء وارتفاع أسعار المنتجات بشكل عام، إضافة إلى تراجع الطلب وتضرر الشركات المنتجة.
ويرى الشافعي، أنه مع اتساع نطاق الصراع، سيزداد الضغط على معدلات الفائدة، وبالتالى سيتأثر النمو الاقتصادى، مما قد يدفع الشركات إلى خفض الإنتاج وتسريح العمالة، مضيفاً إلى تراجع السياحة القادمة من أوروبا فى موسم رأس السنة، كما ستؤثر بالسلب على الاستثمارات فى المنطقة العربية بأكملها، وستؤثر أيضاً على قطاع الغاز المسال المصرى المتجه إلى أوروبا والغاز الذى يمر عبر إسرائيل إلى الأردن، مشدداَ على ضرورة العودة إلى مسارات السلام لحل الأزمات الاقتصادية المتزايدة يوماً بعد يوم، والعمل على معالجة جميع مجالات الاقتصاد المصرى للتصدى لتأثيرات الحرب على غزة وتداعياتها على الدولة المصرية.
بينما قال الدكتور مصطفى بدره، الخبير الاقتصادى، بأن الحرب فى غزة تؤثر بشكل مباشر على سوريا ولبنان والأردن ومصر، مشيراً إلى أن تداعيات الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار النفط، مما يتطلب تكاليف إضافية فى ميزانية الدعم العامة، وهو أمر لا تستطيع الدولة تحمله بمفردها، وبالتالى يجب على المواطنين تحمل جزء من هذه التكاليف، مؤكداً بأن مصر ستتأثر بشكل كبير بالتطورات فى غزة والحرب إذا استمرت، خاصة مع التداعيات السلبية الأخرى التى تعانى منها.
وأشار بدره، إلى بعض التداعيات السلبية التى تأثرت بها مصر منذ اندلاع الحرب، ومنها تعطل واردات مصر من الغاز الطبيعى من إسرائيل، وإلغاء حجوزات سياحية فى بعض المدن المصرية كنويبع وطابا وشرم الشيخ والغردقة ودهب بنسبة كبيرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط، منوهاً إلى أن الوضع سيزداد سوء مع تصاعد الصراع فى غزة خاصة أن مدى تأثيرات هذه الحرب لا تزال غير معروفة وتعتمد على إصرار وتوجه إسرائيل فى شكل الهجوم، لذا من الممكن أن تتغير الأوضاع مع تطور الأحداث.
ويرى الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادى، بأن الحرب الحالية والصراع المستمر بين إسرائيل وقطاع غزة سيكون لهما تأثير سلبى على الوضع الاقتصادى فى مصر، مشيراً إلى أن الحديث عن سيناء يعمل على زيادة التوتر فيها، إضافة إلى حدوث تأثيرات سلبية بشأن معدلات النمو الاقتصادي، والسياحة، وسعر صرف العملة، وأسعار الفائدة، مضيفاُ بأن قناة السويس قد تتأثر أيضاً بالصراع فى غزة، حيث يعتبر التوتر الحالى فى المنطقة عاملاً يزيد من المخاطر الجيوسياسية وقد يؤثر على الاستثمارات فى المنطقة، مما قد يدفع المستثمرين للاستثمار فى الذهب كملاذً آمن، وبالتالى يزيد من سعره ومن ثم يؤثر على معدلات النمو الاقتصادى.
وأكد الإدريسي، على ضرورة تقديم حوافز للمستثمرين المحليين فى ظل هذا الوضع، خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط الذى سيؤثر أيضاً على الموازنة العامة لمصر، لأنها دولة مستوردة للبترول، مشيراً إلى أن توقف إمدادات الغاز الإسرائيلى وأزمة الكهرباء وارتفاع أسعار الذهب عالمياً قد أثرت على سعر الدولار فى السوق السوداء.
أما عن الخبير الاقتصادى الدكتور أشرف غراب، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، فقد أشار إلى أن استمرار الحرب فى غزة يمثل تحدياً اقتصادياً عالمياً جديداً، موضحاً بأن هذا التأثير يمتد ليشمل مصر أيضاً، حيث بدأت الأزمة تتجاوز الحدود وتظهر آثارها السلبية على الأسواق المالية.
وأضاف غراب، أن الحرب على غزة أدت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما يؤدى إلى زيادة تكلفة الشحن والنقل ومن ثم تؤثر على أسعار السلع والأغذية وسلاسل الإمداد، مؤكداً بأن الضغوط الاقتصادية المتزايدة تؤدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التى ستؤدى فيما بعد إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتقلص فرص النمو الاقتصادى، وزيادة العجز فى موازنات الدول ومستويات المديونية العالمية.
من ناحيته، قال حسن عمار، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، بأن مصر لم تُدخر جهداً فى التخفيف من معاناة الأشقاء فى قطاع غزة، مؤكداً على حرص مصر على استمرار الجهود الرامية لمعالجة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة فى غزة، لافتاً إلى النجاحات التى حققتها الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس السيسى فى الحفاظ على مضمون القضية الفلسطينية، ودفع التحالف الدولى لحماية حقوق الفلسطينيين، إضافة إلى نجاح التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى فى إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، والتى تضمنت 108 شاحنات و40 سيارة إسعاف لنقل المصابين، مشيراً إلى تأكيد الرئيس الأمريكى "جو بايدن" خلال مباحثاته الأخيرة مع الرئيس السيسى على ضرورة عدم تهجير الفلسطينيين من غزة ورفض الولايات المتحدة نزوحهم خارج أراضيهم.
كما أشاد عضو مجلس النواب، بنجاح مصر فى حماية القضية الفلسطينية من إفراغها من مضمونها، وكانت حائط صد قوياً أمام مؤامرة التهجير وتصفية القضية، منوهاً إلى التزام مصر المستمر بدورها الإنسانى فى حماية حياة المدنيين وتخفيف معاناتهم، من خلال معالجة الجرحى والمصابين من أشقائنا الفلسطينيين الذين تعرضوا للقصف الإسرائيلى الغاشم، مؤكداً حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولة مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للشرعية الدولية وضمان حياة الفلسطينيين بكرامة وأمان.
من جهة آخرى، أعرب اللواء الدكتور رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر، عن نجاح مصر فى تغيير النظرة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية ودفعها لتشكيل تحالف مع مصر لدعم رؤيتها لحل الأزمة، خاصة فى ظل المحاولات المستمرة لتصفية القضية وتهجير الفلسطينيين بشكل قسري، وذلك من خلال المشاركة المتنوعة لمصر فى القنوات الدبلوماسية والمفاوضات والمحادثات الثنائية، بالإضافة إلى المشاركة فى المؤتمرات والقمم الدولية، التى ساهمت فى تغيير مواقف الدول الأوروبية وجذب دعمها لمصر.
وأوضح فرحات، بأن الدبلوماسية المصرية تواصل دورها فى الوقت الحالى من خلال جهودها فى عدة محاور، سواء كانت دولية، إقليمية أو إنسانية، بهدف تخفيف معاناة الفلسطينيين، وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، والسعى لحل سياسى يضمن تحقيق حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، مشيراً إلى وجود تنوع فى تحركات الدبلوماسية المصرية منذ بداية الأزمة وحتى الآن، حيث كانت قمة القاهرة للسلام علامة بارزة فى الموقف المصرى، وقد لعبت الدولة دوراً هاماً فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار بوقف إطلاق نار بشكل إنسانى وفورى، كما ساهمت فى تعزيز التأييد للقضية الفلسطينية على المستوى العربي، والمشاركة مع منظمات المجتمع المدنى، إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لتلبية الاحتياجات اليومية للشعب الفلسطينى بشكل شعبى وحكومى.
بينما قال محمد منصور، الباحث فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، بأن إسرائيل تمارس عمليات جرائم حرب متنوعة على مر التاريخ وذلك منذ السابع من أكتوبر، حيث قامت إسرائيل بسلسلة من الجرائم بما فى ذلك قصف المناطق المدنية وحصار القطاع بأكمله، ومحاولة تهجير سكانه بالقوة، وبالرغم من أن هناك محاولات لوقف النار فى غزة، إلا أن هناك خطة إسرائيلية واضحة لتدمير قطاع غزة وإخلائه من سكانه، مضيفاً إلى أنه تم توجيه رسائل تحذيرية حادة من مصر إلى إسرائيل لمنع استمرار التدمير، وتأكيد موقف مصر الثابت من رفض التهجير القسرى لسكان القطاع.
وأكد منصور، على دور مصر فى تنظيم مؤتمرات إقليمية ودولية للتوصل إلى حل سلمي، ولكن بناءً على النهج الحالى لإسرائيل، فإنها تعرقل أى فرصة لحل سلمى للقضية الفلسطينية وتزيد من التوتر فى المنطقة، مشيراً إلى موقف مصر الذى يعبر عن التزامها الثابت تجاه القضية الفلسطينية داعيه فلسطين للتمسك بأرضها لتجنب تشتيت الفلسطينيين فى أرجاء العالم، مضيفاً إلى أن مصر تقف بجانب فلسطين لتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة لذلك قامت مصر بتجهيز مطار العريش لاستقبال المساعدات القادمة من الأردن وتركيا والإمارات العربية، وهى جاهزة أيضاً لتوصيل هذه المساعدات إلى قطاع غزة، لتسهيل وصول المساعدات إلى الشعب الفلسطينى.
وفى هذا الصدد، أشار المهندس هانى العسال، عضو مجلس الشيوخ، إلى أن مصر فتحت أبوابها لاستقبال جميع أشكال الدعم والمساندة للشعب الفلسطينى من خلال معبر رفح البري، كما كثفت جهودها لحشد الرأى العام الدولى والإقليمى لزيادة المساعدات الإنسانية والإغاثية، مؤكداً على حرص الرئيس السيسى على مواصلة جهوده لدعم القضية الفلسطينية من خلال عدة محاور، بما فى ذلك توفير المساعدات الإنسانية لأهل غزة وتحقيق التهدئة ووقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات لإحياء عملية السلام، وتحقيق حل للدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقاً للمقررات الشرعية الدولية.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المطروحة لحل الأزمة الفلسطينية، فقد لفت العسال، إلى أنه فى ظل الحرب الجارية بين المقاومة الإسلامية وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر، يوجد عدة سيناريوهات، يشمل السيناريو الأول عودة غزة للإدارة المصرية، أما عن السيناريو الثانى فهو عودة غزة لسيطرة السلطة الفلسطينية كما كانت قبل سيطرة حماس، ويعتبر هذا السيناريو نواة لحل الدولتين وتحقيق حدود فلسطين، وهو ما توافق عليه مصر والدول العربية، بينما السيناريو الثالث فهو أن تكون غزة تحت سيطرة دولية تضم الولايات المتحدة وأوروبا ومصر، وهذا السيناريو مرفوض من قبل مصر ومقبول من قبل عدد من الدول العربية، مؤكداً على جهود مصر فى إيجاد حل عادل ودائم يحقق حقوق الشعب الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.