طباعة
sada-elarab.com/688060
كان عبور قناة السويس إلى سيناء هدفا فى حد ذاته سعى إليه المخطط العسكرى بعد تحصن العدو خلف جدار بارليف (الواهن) وكم من جدر تحصن خلفها الجبناء للنيل من سيناء !، ورغم إن العلم والإبتكار والإبداع كانوا من أسلحة الانتصار فى أكتوبر 73 – الذى مازال فتيا دافئا- والذى شارف على إكمال نصف القرن من الزمان ولا زال مُلهما للنصر، فكانت إرادة المقاتل سببا عظيما فى الانتصار وعبور موانع عدة منها المانع النفسى الذى خدع به العدو العالم بأنهم الجيش الذى لا يقهر – وكان أسطورة كاذبة - وثانيا: مانع التفوق التكنولوجى فى التسليح، وثالثا: مانع التأييد العالمى بقدرتهم النموذجية فى خداع العالم بحقهم فيما اغتصبوه، ورابعا: مانع التشتت العربى الذى جعل من الضعفاء الأعداء أقوياء(!) وخامسا: المانع المائى (قناة السويس) وسادسا: المانع الهندسى (خط بارليف) وسابعا: وهو الأهم – من وجهة نظرى – وهو الإهمال (!) نعم كان هذا المانع الذى ساهم بشكل جوهرى فى نجاح كل ما سبق من الموانع الست السابقة عليه، وهى فى الحقيقة المنطقية وبقليل من كد التحليل العلمى نجد أن تلك الموانع - مجتمعة - مترتبة على الإهمال، فأُهملت سيناء أرضا وهى التى تبلغ ما يزيد عن سدس مساحة الوطن ومصريين هم من تحملوا وحدهم فاتورة الدفاع عن الوطن طوال المراحل المفصلية فى تاريخ الوطن، ولما كانت مصر القوية فى بداية التاريخ الحديث فى الفترة العلوية بنيت القلاع وشيدت الحصون على أطراف سيناء لحمايتها من الغزوات المتعاقبة التى أقرها التاريخ، ولعلم المصريين بأحقيتهم فى الدفاع عن سيناء، وكان هذا الاهتمام نابعا من ممارسة الحق المصرى على التراب المصرى، ويرجع إلى أحقية للمصريين المقيمين على هذا الجزء من التراب المصرى فى الدفاع والزود عنهم، رغم أنها كانت أرضا لم تُكتشف بها الثروات الطبيعية بعد، ويجد المُطالع لكتاب (تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها|) لمؤلفه غير المصرى الذى كان يعمل بديوان نظارة الحربية0"ناعوم بك شقير" هذا المُؤلِف والمؤلٌف اللذان قالا عن سيناء الغزير من المعلومات التى جمعت –وقتها- بكد واهتمام بالغين لحقائق مذهلة عن انتشار قلاع الحفاظ عن سيناء على طول حدودها، ومن بعده كتب كثيرة منها كتاب (موسوعة سيناء) لمحمد فؤاد حسين كأنه مرآة لسيناء أرضا ومقدرات، والكتاب الأهم عن سيناء وهو كتاب الشهيد الخالد جمال حمدان (سيناء فى الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا) الذى سطر فيه أهمية سيناء سياسيا وعسكريا لمصر وفند مطامع الصهيونية فى سيناء وأوضح صورا عدة للإهتمام بسيناء، بالطبع بعد الوصف الشيق – بوجدان واحد من المتصوفين بسيناء - لجغرافيا سيناء وعبقرية هذا الموضع لمصر، والأهم هو الحديث عن ما يتوجب على الدولة المصرية للحفاظ على هذه المنطقة الاستراتيجية (سيناء).
وبعد الجولة الثانية من اعتداء الإعداء فى 56 على سيناء الشمالية فى العريش وبور فؤاد وغربا فى بورسعيد وانتصار المصريون السيناوية والبورسعيدية مع جيشهما على قوات أعتى جيشين نظاميين فرنسا وبريطانيا العظمى ومعهما عصابة من المعتدين، اكتشف القائمين على الأمر أهمية تأسيس كيان يكسر وضع الإهمال ومعنى بالتنمية فى سيناء فكان (جهاز تنمية سيناء) عقب 56 لكنه مشروع ظل حبيس الأدراج ، وحتى معارك الاستنزاف كان التخطيط المهتم بسيناء عسكريا فقط، حتى توج بعبور الإرادة المصرية لقناة السويس وتحطيم الموانع الست السابق الحديث عنها، وتلاها (ورقة أكتوبر) فى 18 ابريل 1974 التى صاغها السادات وعدد من علماء الوطن لتنمية سيناء لكن(.) حتى جاءت الإرادة السياسية الواعية بتعدد صور العبور من العسكرى إلى الإقتصادى ثم الثقافى ، ولم يعد الإهتمام بسيناء عسكريا فقط ، بل تجاوز إلى بناء الإنسان، وصياغة وجدان عام يذوب عشقا فى سيناء لا من أهلها فقط بل من عموم أهل مصر، فطهر بجلاء أهمية معابر تحيا مصر التى شُيدت على ضفتى القناة، فباتت لانتقال الإنسان، والأفكار، والطاقات الإبداعية، ولم تسعى الثقافة لانتقال من جانب واحد بل كان الأهم هو تناقل الإبداع الإنسانى الثرى والمتنوع من الوادى الجديد واسوان وأبورماد وحلايب والشلاتين وأولاد على وسيدى برانى ومن هؤلاء الذين استعادوا الإهتمام من المصريين من اللذين سكنوا (قسرا) المناطق العشوائية، ولان الإهتمام بسيناء طال كل الوطن، فكانت المناطق بديل العشوائية والأمنة حق من حقوق المصريين، وبمثابة عبوراً داخلياً شكل انتصاراً للإنسان (!) ونعود إلى عبور الثقافة بكل هؤلاء الأطفال والشباب إلى سيناء فأضحى لهؤلاء الأطفال والشباب المستهدفين من مشروع (أهل مصر) حكايات وذكريات يرويها كل منهم عبر تنوعات طاقاتهم الإبداعية نثراً ونظماً بالكلمة، وومضاً بالعدسة والصورة، ورسماً بالألوان، ولحناً ونغماً يظل آذان الأجيال تطرب به، ونحتاً فى ذاكرة الوطن يجسد انتصار الثقافة على (الإهمال) فسار المشروع الرئاسى (أهل مصر) الذى تنفذه وزارة الثقافة يستهدف انتصار القادم من الأجيال على مانع الإهمال، ويرد الحق لهؤلاء المصريين فى سيناء الذين سددوا فاتورة الدم عوضا عن بقية المصريين حفاظا على الوجود المصرى، وممارسة لحق أصيل وشرعى فى ملكية التراب السيناوى الذى يملك كل المصريين صكوك ملكيته مسطورة بدماء شهداء الأسر المصرية من خط 22 جنوبا إلى الساحل الجنوبى للبحر المتوسط، هكذا تجسد الثقافة دورا ورسالة فى مشروعاتها الثقافية المتتالية والمتوازية بسيناء ولحدود مصر قاطبة، وليس أدل على إهتمام الثقافة بسيناء والذى تجلى بوضوح فى زيارات وزير الثقافة الإستاذة الدكتورة نيفين الكيلانى لسيناء تلك الزيارات التى تحقق معها مشروع الألف مبدع من أبناء سيناء، رقما حقيقياً وليس دعائياً، وأعيد خلال تلك الزيارات تأهيل مواقع ثقافية لتكون قاعدة انطلاق لدوريات ثقافية تجوب تراب سيناء من وديان وجبال وقرى وتجمعات للصيادين وللبدو وللحضر، وقريبا تعبر الثقافبة لأهل سيناء بعروض المسارح والسينما والسيرك ومعارض الكتاب، وبالتوازى مع عبور أطفال سيناء وشبابها بالثقافة لربوع أهل مصر فى دلالة بالغة لانتصار الثقافة على (الإهمال) الذى بات تاريخا وماضيا، وأضحى الانتصار مشرقاً بالثقافة لـ (أهل مصر).