الاستثمار دائمًا يرتبط برأس المال والاقتصاد
والتجارة وهي أمور تتسابق حولها البلدان بغية تنويع مصادر الدخل، وتطور النمو الاقتصادي
وتحقيق أرقام متقدمة للتنمية تفاخر بها البلدان على المستوى الوطني والإقليمي والدولي،
وتصبح مؤشرات النمو في غاية الأهمية للاقتصاد الوطني، ومتى ما توافرت الوسائل والسبل
والبنى التحتية وتهيأت الظروف المحفزة للاستثمار فإن الإقبال سيكون مشجعًا ودافعًا
لرجال الأعمال في المضي قدمًا والاستفادة من فرص الاستثمار المتاحة.
غير أنني أتكلم في هذا المقال عن أمر مختلف
وإن كان في المحصلة النهائية الهدف واحد وهو البناء للمستقبل..
فالاستثمار في الإنسان، وأعني به الاستثمار
وبنيته المشجعة والمحفزة ينال منها الإنسان نصيبًا نفاخر به بين الأمم..
ففي الأسابيع القليلة الماضية حقق أبناؤنا
إنجازات هي مؤشرات وعلامات ناصعة تطرق أذهاننا بقوة، وتحفز فينا البذل والعطاء والإيمان
بقدرات أبنائنا على التميز والتقدم إلى الأمام وتحقيق الإنجازات التي يحلو لنا القول
بأنها: «ترفع الرأس» فإن تحقق مدرسة الإيمان البحرينية فرع البنات الجائزة الأولى في
تحدي القراءة يعتبر تقدمًا ملموسًا ظاهرًا وبارزًا في حقل التربية والتعليم وما يستتبعه
من مواهب وقدرات طلابية، وإدارة ومدرسات آلوا على أنفسهم بأن يحققوا التميز الذي ينشدونه
وتنشده بلادهم، وكان الاحتفال بدبي بدولة الإمارات العربية المتحدة وبرعاية كريمة من
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي ونائب رئيس دولة الإمارات العربية
المتحدة ورئيس مجلس الوزراء ليشهد الجميع وعلى مرآى من العالم كله هذا التميز لإحدى
مدارسنا بمملكة البحرين، وهو إنجاز يحق للجميع أن يفخروا به وفي نفس الوقت هو حافز
للجميع الذين ينشدون التألق والحصول على مراكز متقدمة وفي نفس الوقت إرضاء الطموح الشخصي
والجمعي لأبناء مملكة البحرين.
والحدث الثاني هو حصول أبنائنا من حفظة
القرآن الكريم، كتاب الله المنزل وحصولهم على مراكز متقدمة جدا في مجال الحفظ والتجويد
والقراءة المتأنية لكتاب الله العزيز، ومراكز تحفيظ القرآن في البحرين منتشرة ولله
الحمد في مدن وقرى البحرين ونعلم يقينًا أن المسابقة عندما تقام في المملكة العربية
السعودية أو دولة الكويت أو ماليزيا فإن المنافسة بالتأكيد كبيرة وواسعة ومتحدية، وعندما
ينال شابان من شبابنا الجوائز المتقدمة في مثل هذه المسابقات فإن ذلك يؤكد على قدرة
أبنائنا على التمسك بأهمية حفظ وتلاوة كتاب الله العزيز، وهذا يعيد إلى الأذهان يوم
كانت الكتاتيب هي لبنة التعليم قبل التعليم النظامي، وكانت عطلة الصيف للمدارس بعد
ذلك فرصة لإلحاقنا بالكتاتيب في المدن والقرى وكان الاحتفاء بمن يختم القرآن الكريم
أو جزء أو أجزاء، منه فإن ذلك يعد مفخرة لأهله، ولأصدقائه وجيرانه ومختلف الفرجان الذين
يفاخرون بقصد السبق لفلذات أكبادهم، ويحتفل «بخاتم» القرآن الكريم والكل يقدم له «الهدايا»
شعورًا بالفخر والاعتزاز، لينضم هذا الفتى لكوكبة من الشباب الذين تفاخر بهم أسرهم..
وعندما يحرز أبناؤك أو أحفادك نتائج طيبة
في مجالات رياضية ومجالات أخرى بلا شك تدرك أهمية أن تغرس في نفوس الناشئة الرغبة في
التفوق والحصول على المراكز المتقدمة مستقبلاً. الفرح بالإنجاز يسعد المرء ويؤسس للمستقبل.
وقد سعدنا ونحن نرى مملكة البحرين وهي تستعرض
أمام المواطنين برنامج عمل الحكومة في تجربة هي الثانية في عمر التنمية المستدامة والرؤية
الاقتصادية 2030م، وأدركنا كأبناء البحرين كم هو جميل هذا الدعم من قبل حضرة صاحب الجلالة
الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه لهذا البرنامج الطموح
وكذلك رعاية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر
حفظه الله ورعاه ودعمه لهذا البرنامج والسهر على تنفيذه. وكان صاحب السمو الملكي الأمير
سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه أشعرنا
بالفخر والاعتزاز وهو يقدم هذه الرؤية المستنيرة والتي أطلقتها مملكة البحرين مبكرًا
في مظهر حضاري وباستيعاب ذكي وبطرح واقعي وشفاف مبتدأ سموه الحديث بتمكن واع وبلغة
الأرقام، والتحليل الموضوعي لهذه الرؤية ولعمل الحكومة في الفترة المقبلة، وهي قد راعت
التنافسية والعدالة والاستدامة.
وهذه الرؤية الاقتصادية تأخذ أبعادًا كثيرة
في التنمية المستدامة بكل مكوناتها وعناصرها ليقوم أصحاب السمو والمعالي والسعادة نواب
رئيس الوزراء والوزراء بشرح أيضا مسهب لهذه التوجهات الحكومية كل في مجال تخصصه والمهام
المنوطة به مع تحمل الوزرات والمسؤولين فيها للقيام والنهوض بهذا البرنامج كما خطط
له وفي الأوقات المرسومة له.
ويقينًا إن تنمية الإنسان في مملكة البحرين
ستكون بالفعل كما قد قيل، على رأس أولويات المشاريع الحكومية المقبلة وبرنامج عمل الحكومة.
وهي جهود تحتاج إلى تكاتف الجميع، وعندما نتكلم نحن عن أهمية هذه البرامج والدخول في
تفاصيل التفاصيل فإن المردود من وراء هذه التوجهات لابد أن يعود بالضرورة على المواطن
الذي هو المحرك للقاطرة وهو المستفيد الأول من كل إنجاز تحققه المملكة على مختلف الأصعدة.
إن تنمية الإنسان هي محرك كل عناصر التميز،
والمواطن البحريني يستحق أن يكون الاهتمام به على رأس الأولويات، فالإبداع في هذا الوطن
والمبدعون ولله الحمد كثر، وقدرات الشباب على العطاء مع التميز لا حدود لها، والاستثمار
في المواطن الإنسان يظل هو الغاية والهدف.
وعلى الخير والمحبة نلتقي