فن وثقافة
صاحبة الفنجان.. قصة قصيرة
الثلاثاء 01/نوفمبر/2022 - 10:57 م
طباعة
sada-elarab.com/662083
ثبت ناظريه على مروحة سقف غرفة مكتبه..
في أذنيه سماعة المحمول..يتنسم موسيقى ''رقصة الأطلس "..
دوران المروحة انتزع من دقات قلبه قدرا من السرعة زاد من إيقاع دورانها..
انتابه قلق من أن تفر من السقف فتمزق أوراق كتبه المتراصة على الأرفف..لتسقط فوق رأسه قطعا قطعا..صفحة صفحة..مع ريشات المروحة عليها شقاء دوران السنين..
في حلقه مذاق ملح القلق ..
لكن "رقصة الأطلس"في أذنيه أخفت مذاق الملح ،وخشخشة الدوران الذي خطف بخشونة أفكاره الدائرة الحائرة في رأسه..متناغمة مع "رقصة الأطلس"كالدرويش في حلقة ذكر..
ضايقه انخفاض الموسيقى من آن لآخر لورود رسالة نصية أو صوتية..
تابع إحداهن..
كانت تتضمن ملصقا مرسلا منها..
تلك الرقيقة الربيعية الجميلة..
يفرق بينهما ما يقرب من عقدين من الزمان..ربما أكثر..
الملصق لفنجان قهوة فائق الرقة تحوطه زهرات حسان نيرات..كالسكر..
هتف النبض و غنى بنشيد بداية إبداع..
ازداد إيقاع دوران المروحة..
بحث في المحمول عن كيفية تجعله يرنو إلى فنجانها و زهراتها تتبعها نظرات إلى دوران مروحة سقفه..تصاحبهما نظرات خاملة إلى كتبه المتراصة جثثا هامدة بين أرفف مكتبته الحبلى بالكتب.. ذات الثلاثين ربيعا ..يعلوها قدر مستفز من الأتربة البلهاء..مكتبة عمرها قد يزيد عن عمر صاحبة الفنجان والزهرات..
هل يرد على رسالتها بملصق يتضمن تحية الصباح..ولا مانع من وردة بيضاء ؟!
هي تراه أبا روحيا.. أديبا..زاعق الموهبة..له فلسفته الخاصة في أن أدراج مكتبه جديرة باحتواء ما يكتبه..
لقد ضاقت الصدور اليوم بالسطور..
لا يلهث خلف النشر..كما ضاق هو نفسه من دوران الزمان الذي انفرط عقده قافزا قفزته الخمسينية لاهثا في قفزاته ليلتهم عقده السادس بعد خمسة أعوام..
نعم ستذوب هذه الأعوام الخمسة ذوبان الملح في الماء....
عاد إلى المروحة..وللكتب..مستغرقا في موسيقى "رقصة الأطلس"غير مستجيب -بمعاناة شديدة -للبحث عن تصور إمكانية النقاء الملح بالسكر في فنجان قهوة مستساغ..
وهو يحاول مواجهة هذا التصور العجيب..تفاجأ بيد تلمس كتفه في رقة وحنو..وصوت ابنه ذي العشرين عاما يقول:
بابا:
"ممكن فعلا يقدر الإنسان يخترع آلة زمن ؟!"
رد على ابنه:
"ياريت يا صديقي "!!
ثم نزع السماعة من أذنيه منهيا استماعه لرقصة الأطلس..
كتب رسالة إليها تقول:
صباح الخير يا ابنتي...
ما جديدك الجميل اليوم..؟
شكرا لك الفنجان والزهرات..
المفاجأة أن المروحة كانت قد توقفت عن الدوران....
يبدو أنه لمح قلقي الزائد منها فأوقفها.. ثم أدار التكييف.. قائلا:
ياريت أعرف يا بابا ليه لغاية النهارده مصر تشغل المروحة ؟!!
اكتفيت بابتسامة عريضة....
د. هشام محفوظ