طباعة
sada-elarab.com/650955
يا نيل أنا واللي احبه .. نشبهك بصفاك
لانت ورقت قلوبنا .. لما رق هواك
وصفونا في المحبة .. هو هو صفاك
ما لناش لا احنا ولا انت .. في الحلاوة مثيل
في عام 1955 شدت سيدة الغناء العربي ام كلثو م بهذة الكلمات من أغنية شمس الاصيل ’ التي كتبها بيرم التونسي ,ولحنها الموسيقار رياض السنباطي
والحقيقة أن المصريون لم يتغن بشىء فى حضارتهم قدر غنائهم وتغزلهم فى نهر النيل ، وحمل أحد كبار شعراء مصر لقب شاعر النيل وهو "حافظ ابراهيم " حيث ولد وهو على متن سفينة رست على شاطى النيل بمحافظة اسيوط وتغزل فى النيل كثيرا.
ولم يتوقف الغناء للنيل منذ أن عرف المصريون فن الغناء، ومنذ أن سجلت الأغانى فقد غنى للنيل معظم نجوم الأغنية بداية من أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وحتى محمد منير وشيرين عبدالوهاب ونجاح سلام، بل وكانت هناك قصائد تكتب خصيصا للنيل ومنها "النهر الخالد " التى تؤكد أن النيل يمر فى قلوب المصرين ويسرى مسرى دمائهم فى عروقهم، وهى للشاعر محمود حسن إسماعيل
وتعد أغنية ام كلثوم "النيل" واحدة من أهم ما قدم عن النيل وهى لأمير الشعراء أحمد شوقى ولحنها رياض السنباطى
وقد غنت أم كلثوم للنيل فى أكثر من مناسبة ، اذ كانت لها أكثر من أغنية منها "سلاما شباب النيل " للشاعر الكبير إبراهيم ناجى
وغنى الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب للنيل كثيرا ولعل أغنيته الشهيرة "النيل نجاشى" من أجمل ما قدم للنيل، وهى للشاعر الكبير أحمد شوقي
وقد غنى أيضا العندليب السمر للنيل أغنيته الشهيرة "يا حلو يا أسمر" التى كانت أول اغنياته فى الإذاعة كلمات سمير محجوب وألحان محمد الموجى
وغنى للنيل عشرات المطربين منهم نجاح سلام، حيث قدمت للنيل أغنية "أنا النيل مقبرة للغزاة " كلمات محمود حسن اسماعيل
ولم تتوقف الأغنيات التى تمجد النيل مع تعاقب الأجيال إذ غنى له محمد منير أغنية "عروسة النيل"
وتعد أغنية شيرين عبدالوهاب "ما شربتش من نيلها" هى أكثر الأغنيات الحديثة التى حققت انتشارا ونجاحا
وأيضا غنت نادية مصطفي "ابدر حلاوتك يا نيل", كلمات جمال عبدة صالح ,والحان ابراهيم رافت
بداية الحكاية منذ سبعة الاف عام
عيد وفاء النيل كان يمثل بداية العام عند المصريين القدماء فكانوا , يستقبلون الفيضان بالفرح الشديد فهو الخير القادم لإعادة الحياة والخصوبة لأرض مصر بعد فصل الصيف الحار وقلة المياه بالنهر ، وتأثر الفكر الديني كثيرا بفصول السنة فكان التل الأزلي وهو العامل المشترك بين كل أساطير الخلق التي تفسر بداية الكون ما هو إلا تلك الأرض التي تبرز وترتفع أثناء انحسار الفيضان، وأحيانا يطلق المصري على الفيضان عند وصفه لشدته اسم (نون).
وقد خصص المصري القديم معبودا للفيضان ومنحه صفات تتناسب وقوة اندفاعه وصفات تتفق وما يحمله من خير وخصوبة، كما ارتبط معبود الفيضان بعروش الملوك فهو الذي يمنح الملك الخصوبة والخير والذي يمنحه الملك بدوره إلى شعبه، وغالبا ما صور “حابي” آله النيل على جدران المعابد في الصف الأسفل ليرمز إلى أنه أساس المعبد وضامن الخيرات والقرابين المقدمة لمعبودات المعبد.
كما ارتبط بالفيضان معبودات أخرى خاصة “خنوم” الذي يتحكم في مياه الفيضان فيرسلها أو يمسكها، وهو صانع البشر من طمي الفيضان، وكان أوزيريس ربا لكل الفصول فهو القوة الكامنة في الفيضان وهو الثور الأسود لون طمي الفيضان وهو الذي تنشق عنه الأرض وتعود روحه كما تعود الروح إلى البذرة الميتة، وهو رب الحصاد حيث يتحول إلى “نبرى”.
أنشودة النيل في عهد الفراعنة
يذكر أنطوان زكري في كتابه “النيل في عهد الفراعنة والعرب”، أن المصري القديم سجل في لوحتين على الورق البردي، معروفتين بورقتي ساليير وأنسطاسي، وهما من مجموعة الأوراق البردية المحتفظ بها إلى الآن في المتحف البريطاني، وترجمها العالمان الأثريان الشهيران ماسبرو وجبس، وهما اللذان نقلاها من الشعر المصري القديم، ويقول مطلع النشيد:
” الحمد لك يا نيل، يا من تخرج من الأرض وتأتى لتغذى مصر، يا ذا الطبيعة المخيفة، ظلام فى وضح النهار، إنه الذى يروى المراعي، وهو المخلوق من رع ليغذي كل الماشية، وهو الذى يسقى البلاد الصحراوية البعيدة عن الماء، فإن ماءه هو الذى يسقط من السماء، هو المحبوب من جب، ومدبر شؤون إله القمح، وهو الذى ينعش كل مصنع من مصانع بتاح، رب الأسماك وهو الذى يجعل طيور الماء تطير نحو الجنوب، إنه هو الذى يصنع الشعير والقمح وبذلك تتمكن المعابد من إقامة احتفالاتها”.
وكان يتم خلال الاحتفال ذبح قربان قد يكون عجل أو دجاجة، ثم تلقى فى النيل رسالة بها بعض الصلوات والمدائح في النيل، وكان الملك يحضر الاحتفال ومعه القادة ورجال الدين وسط جميع طوائف الشعب، وقد وجد على سفوح جبل السلسة شمال أسوان ثلاث لوحات تضم ثلاثة مراسيم في الفترة ما بين 1300 ــ 1225 ق.م تقر بأن يقام احتفال للإله حابى مرة عند أعلى ارتفاع للفيضان ومرة أخرى عند أدني ارتفاع، ويتقرب خلالها بقرابين من الحيوانات والخضروات والزهور والفاكهة.
كما جاء ذِكر أعياد النيل في مائدةٍ للقرابين محفوظة في متحف فلورانس بإيطاليا، ويرجع تاريخها إلى ملوك الأسر الثلاث الأولى، وقال المؤرخ ماسبرو عن العيد الفيضان “عندما يصل الماء المقدس إلى جدران مدينة “سين” يقدم الكهنة أو الحاكم أو أحد نوابه ثورًا أو بطًّا، ويلقيه في الماء في حرز من البردي مختوم عليه، ويكتب في الحرز الأمر الملكي الخاص بنظام الفيضان، ومتى ترأس الملك نفس هذا الاحتفال نقشوا في الصحراء وسجلوا هذا الحادث تذكارًا تاريخيًّا، وإذا تغيب الملك عن الاحتفال ناب عنه الكهنة باحتفال عظيم، حاملين تمثال المعبود سائرين به على ضفاف النيل والجسور مرتلين الأناشيد.
وقد أشار العالم الأثري “دي روجيه” إلى الاحتفال أيضا وقال: “في اليوم الخامس عشر من شهر توت جاء فيضان النيل في سلسلة، وفي 15 أبيب صعد النيل فقدمت القرابين والهدايا للمعبود “حابي”، وفي ذاك اليوم كانوا يلقون له ميثاقًا مكتوبًا من ديوان الملك، فيقبل النيل هذا العهد ولا يتخلف عن وعوده فيمنح مواهبه أرض عبيده المؤمنين”.
عيد ليلة النقطة السماوية
روى “سنيك” الفيلسوف الروماني، أن المصريين في عهد الرومان كانوا يلقون في نهر بيلاق القرابين، ويُلقي الحكام بعدها هداياهم من الذهب وأنواع الحليِّ المختلفة.
واستمر المصريون على عاداتهم في الاحتفال بأعيادهم، وكما كان يعتقد الفراعنة أن سبب الفيضان نزول دمعة المعبودة إزيس في النيل، اعتقد الأقباط أن النيل يفيض بنقطة تنزل من السماء، ويحتفل في اليوم الحادي عشر من شهر بئونة بعيد “ليلة النقطة السماوية”، التي تنزل بفضل دعوة وصلاة رئيس الملائكة جبرائيل قبل نزولها بثلاثة أيام حيث يسجد ويتوسل إلى ربه بأن يفيض النيل وينزل إلى الأرض المطر والندى.
العصر المملوكي
حينما دخل العرب مصر، محوا كثيرا من العادات والتقاليد التي كانت متبعة في الاحتفال بالفيضان، لكنهم لم يتمكنوا من محو الاحتفال تماما، بل اضطروا إلى إتباع التقاليد المصرية للاحتفال بفيضان النيل، وفى العصر المملوكي كان الاحتفال يبدأ يوم 26 بؤونة وبعد أن يصل قياس ارتفاع مياه الفيضان إلى 16 ذراعا، يبدأ احتفال شعبي ضخم تضيء فيه القناديل والشموع كل الشوارع، وينتشر الرقص والغناء، وتباع الخمور بكثافة.
ويصف المؤرخ ابن إلياس في كتابه “بدائع الزهور” ليلة من ليالي احتفال المماليك بالنيل “خرجت سفينة سلطان مصر وعامت من بولاق وهي متزينة بالورد والأعلام واستقبلها الأمراء بالطبل والزمامير عند مقياس فيضان النيل”.
عروس النيل
سادت في الاعتقاد الشعبي فكرة روج لها المؤرخ العربي أبوالقاسم عبدالرحمن بن عبدالحكم في كتابه “فتوح مصر والمغرب”، أن المصريين كانوا يلقون فتاة شابة مزينة بالحلي ليفيض النيل.
وظل طقس إهداء النيل فتاة شابة في عيد وفاءه مستقر في الأذهان، لكن تم استبدال الفتاة بدمية خشبية على شكل فتاه آدمية، وتذكر الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها “القاهرة في حياتي”، أن حكاية عروس النيل ليس لها أساس تاريخي.
ويقول عباس محمود العقاد في كتابه “عبقرية عمر”، وعقب العقاد على روايةُ ابن عبد الحكم قائلا ” الرواية على علاتها قابلة للشك في غير موضع عند مضاهاتها على التاريخ”.
طقوس النوبة
هناك العديد من الطقوس الخاصة بالنيل في النوبة ومستمرة إلى الآن منها “كمولود” أو السبوع، وهي طقوس عقائدية ترتبط بهم في شتى المناسبات سواء الوفيات، أو الزواج، أو المواليد، ففي ليلة الزفاف يذهب العروسان ليغتسلان من ماء النيل لجلب الخير وإنجاب الأطفال، وفي حالة الرزق بمولود جديد تحمله الجدة وتذهب به إلى نهر النيل وسط الأحباب والأهل والأطفال، وتحمل سيدة أخرى طبق من العصيدة وهي أكلة تصنع من القمح والسمن واللبن، ويبدأ الاحتفال عند شاطئ النهر بإلقاء سبعة لقيمات من العصيدة، لملائكة النهر مع الترديد بالدعوات لحصول الطفل على الصحة وطولة العمر، ثم يتم غسل وجه المولود والأم من ماء النهر، ثم يغسل باقي الحضور وجوههم للتبرك، ثم يتذوق الجميع من طبق العصيدة ويغسل بعدها الطبق في النيل.
قياس ماء النيل
كان قديما يتم تكليف مجلس شرعي إداري بمهمة رصد زيادة مياه النيل، وكانت جباية الضرائب ترتبط بهذا القياس، إذ كانت واجبة وملزمة إذا وصلت زيادة المياه في النيل إلى 16 ذراعا فأكثر، ويتم الإعفاء منها إذا كان مقياس المياه أقل من 16 ذراعا، وبرغم التقدم الذي رافق ثورة 1952، إلا أنها أبقت على هذا التقليد وظل راسخا وهو المجلس الشرعي الإداري الذي كانت مهمته رصد وقياس فيضان النيل، وتولى رئاسته رئيس المحكمة الشرعية العليا حتى ألغيت تلك المحاكم، وكان يتولى رئاسة المجلس مفتي الديار المصرية.
والأمر المثير للدهشة أن تكوين هذا المجلس ومهامه ظلت كما هي حتى عام 1972، وهو العام الذي انتهي فيه عمل المجلس بعد أن فرض الواقع الجديد نفسه حيث لم يعد النيل يفيض بفضل مشروعات ري كبرى أعظمها مشروع السد العالي.