يحتفل العالمين العربي والإسلامي غدا السبت بعيد الأضحى المبارك والذي يسمي يوم النَّحرو يوم الحَجّ الأكبر،وياتي الاحتفال في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة من كل عام ، وسُمِّيَ هذا اليوم بيوم النَّحر؛ لكثرة الأعمال العظيمة التي تُؤدّى فيه؛ من الوقوف بمُزدلفة، ورَمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة، وصلاة العيد، والحَلْق، وذَبح الهَدْي والأضاحي، والنَّحر من أعظم الأعمال عند الله -سبحانه-، والتي تُؤدّى بعد صلاة العيد؛ أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ، فَقالَ: إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ به مِن يَومِنَا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقَدْ أصَابَ سُنَّتَنَا)
ويُعَدّ يوم النَّحر من أفضل الايّام، وأعظمها، وأجلّها عند الله -سبحانه وتعالى-؛ لقَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ).
ويأتي يوم النَّحر بعد يوم عرفة؛ وهو يوم وقوف الحُجّاج ابتهالاً وتضرُّعاً لله -سبحانه-، ويوم العِتْق من النار، كما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ).
وتأتي أيّام التشريق بعد يوم النَّحر؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. [وفي رواية : زاد فيه «وذكرٍ لله».
وقد ذكرَ ابن رجب -رحمه الله- أنّ عيد الأضحى أكبر العيدَين؛ إذ يحلّ على المسلمين بعد وقوف حُجّاج بيت الله الحرام بعرفة، ومغفرة ذنوبهم، وعِتقهم من النار، ولا يتحقّق ذلك في غير عرفة من أيّام السنة؛ ولذلك فقد أعقبه الله بعيد الأضحى؛ ليتمّ الحُجّاج مناسكهم، وتجدر الإشارة إلى أنّ ذلك لا يُحصَر في الحُجّاج فقط؛ بل يشمل المسلمين جميعاً، كما أنّ يوم النَّحر فيه معظم أعمال الحَجّ؛ من الرَّمْي، والنَّحر، والحَلق، والهَدْي، قال ابن القيّم -رحمه الله- في ذلك: "يوم عرفة مقدِّمةٌ ليوم النحر بين يديه؛ فإنّ فيه يكون الوقوف، والتضرّع، والتوبة، والابتهال، والاستقالة، ثمّ يوم النّحر؛ تكون الوفادة، والزيارة؛ ولهذا سميّ طوافُه طوافَ الزيارة؛ لأنّهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثمّ أذن لهم ربُّهم يوم النّحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته؛ ولهذا كان فيه ذبح القرابين، وحلق الرؤوس، ورمي الجمار، ومعظم أفعال الحجّ، وعمل يوم عرفة؛ كالطهور، والاغتسال بين يدي هذا اليوم".
ومن أعظم القربات لله في هذا اليوم صلة الرحم التي تعد من الإيمان: بمعنى أن إيمان المسلم لا يكتمل إلا بصلة رحمه، وهي من أسباب التقرب إلى الله -تعالى- وزيادة الإيمان ، وقد جاء في الحديث: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ) وقد تعددت آراء العلماء في بسط الرزق بقولين، القول الأول: من أجراه على ظاهره بمعنى من وصل رحمه زاد رزقه وعمره حقيقةً، والثاني: أنهم لم يجعلوا الزيادة في العمر والرزق حقيقة إنما هي البركة فيهما، والبركة في الرزق تكون بعدم ضياعه، جاء في الحديث: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). والحقيقة إن صلة الرحم تقوي وتعزز من محبة الأهل بين بعضهم وتزيد من ترابطهم والألفة بينهم، وفي مناسبة العيد تزيد من البهجة والسرور في نفوس الناس وتزيد من المحبة بينهم لأنها من شعائر الله.
ومن فضائل صلة الرحم إنها تزيد من الأجر والثواب عند الله -تعالى- وهي أحد أسباب دخول الجنة، وسبباً في اجتناب سوء الخاتمة، جاء في الحديث: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).
والمعروف إن رحم الرجل هم الأهل من الأم والأب والإخوة والأخوات والأبناء والبنات، وزيارة الأقارب من الأعمام والعمات والأخوال والخالات، للاطمئنان عليهم وعلى أحواله ولنيل الأجر والثواب من الله -تعالى-، والعيد من أفضل وأعظم المناسبات التي يجب على المسلم أن يؤدي فيها صلة الرحم لما له من عظيم الأجر عند الله -تعالى- لأنها من شعائر الله. وحثنا الله -تعالى- على صلة الرحم وعدم قطعها وذكرها في كتابه العزيز، قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، وأمرنا بها أيضاً رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
وصلة الرحم لها صور عديدة وتكون أنواع بحسب الحاجة إليها فإما أن تكون بالنفقة لمن يحتاج ذلك، أو تكون بالهدية، والتودد إليهم، وبالعون والإعانة على الحاجات، بالنصيحة، وبدفع الضرر والإنصاف معهم، والدعاء لهم، وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم وأخطائهم.