رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
د. خالد القاضي

د. خالد القاضي

حماتي.. رحمكي الله يا أعز الناس

الثلاثاء 18/يناير/2022 - 04:29 م
طباعة
أذهلتني جنازة حماتي ( رئيسة هانم ) .. التي لقيت ربها راضية مرضية .. ودفنت في صعيد مصر .. وشارك في الصلاة عليها ما يزيد على خمسة آلاف مشيع ما بين رجال ونساء .. أطفال وشباب وشيوخ  .. ترقبوا وصول الجثمان من القاهرة في رحلة استغرقت قرابة سبع ساعات .. والجميع ينتحب لفراقها .. 
من ثم أطلق عليها وصف ( شيخة عرب ) ..

وفي التقاليد الصعيدية .. فإن جل الاهتمام يكون في جنائز الرجال .. دون النساء .. وهذا ما أثار دهشتي .. واجتراري لسيرة ومسيرة تلك المرأة الصعيدية ( اللغز ) .. في تفحص هذا الكم الهائل من المشيعين .. وقد اصطفوا جماعات وفرادى من كل حدب وصوب .. ليقولوا لها الكلمة الأخيرة .. رحمكي الله يا ( رئيسة هانم ) .. 

ورئيسة هذا اسم الشهرة .. وهانم اسمها الرسمي .. فكانت من نوادر النساء الذين يطلق عليهم اسم شهرة مقترنا بالاسم الرسمي .. وكلا الاسمين له مبرره وتاريخه .

هانم الاسم الرسمي .. لأنها سليلة عائلة عريقة من كبريات العائلات الصعيدية .. نسبا وصهرا .. فوالدها أحد رموز ( الهوارة ) .. ولم يرزق بولد .. فكانت له ابنتان .. وائمتن عليها ابن عمها .. وزوجها له ، ولم تكمل عامها الخامسة عشر .. 

رئيسة اسم الشهرة .. لأن والدها ومن بعده زوجها .. كانت رئيسة ( معنى ) لكليهما في نضج فكرها وكياستها  وسرعة بديهتها .. ومن ثم إرشادهما إلى القرار الصائب .

و( رئيسة هانم ) هذه هي نموذج لفتاة صعيدية ، لم تنل قسطا وافيا من التعليم .. وتوفي والدها وعمها وهي لاتزال في سن مبكرة .. فاستضافت حماتها مع والدتها سنين عددا .. لم تضجر ولم تتبرم قط .. بل كانت لهما الابنة والصديقة الودودة ..  

وعلى مدار ٥٧ عاما هي عمر حياتها الزوجية .. تكونت أسرة من قرابة ٢٥ عضوا .. ما بين بنين وبنات وأزواج وزوجات وأحفاد وحفيدات .. وأهل وأصدقاء فاقوا الآلاف ممن أثرت فيهم .. كرما ونصيحة ومودة .

زوجها الدكتور علي سليمان  .. ورغم وسامته المشهودة ، وشخصيته الآسرة .. وحضوره المجتمعي العائلي الطاغي .. إلا أن ثقتها في نفسها .. واهتمامها بأدق تفاصيل حياتهما .. حافظت عليه تلك السنوات الطويلة دون انتكاسات تذكر ..

بنتها الكبرى حنان ( زوجتي ) .. هي في الواقع اختها .. موضع سرها ، ومتكأ خبيئتها ، ومحط هدوء بالها .. إلى الحد الذي كنت أتساءل دوما عن لغة العيون بينهما ( دون كلام ) .. أو حديثهما الهامس .. ولم استطع تبيان مفرداتهما .. رغم فضولي واستخدام مهاراتي في فك الشفرات " خشية التآمر عليا مثلا " .. إلا أنني لم أفلح في هذا طيلة قرابة ( ٢٩ ) سنة هي عمر  حياتي الزوجية حتى الآن.

ابنها الأكبر ( دكتور محمد ) .. رزقها الله به بعد معاناة طويلة جدا من فقد الأبناء والبنات في سن مبكرة جدا .. وبعد البنت الكبرى ( زوجتي حنان ) بحوالي ثمان سنوات .. فأحاطته برعاية فاقت كل الحدود المعهودة .. فنشأ في بيئة صحية للغاية .. رعاية طبية من والده .. ورعاية إنسانية من والدته .. 

ثم كانت الإبنة الصغرى ( راندا ) .. وهذه دلوعة أمها .. فتلبي طلباتها التي لا تنضب بطيب خاطر .. وتعطيها ما تشاء دون ضجر .. وتجتهد في إرضائها طواعية واختيارا .. 

أما عن ( الدكتور هشام ) .. فهو عمدة البيت .. ورأس حربة الملعب .. وهو الخيال وبطل الفروسية المشهود له في ساحات النزال والبطولات .. 

ويأتي آخر العنقود ( الدكتور الصيدلي أحمد ) .. فهو روح القلب  كما كانت تناديه .. وتطالب الجميع له " بجبر الخواطر على الله " كما كانت هي تغني له ..

وقد خالف حمايا الدكتور علي سليمان وحماتي أعراف قبائل الهوارة ، بتزويج بناتهن لغير شبابهم ، فزوجاني بكريتهما ( حنان ) ، والأخرى ( راندا ) لزميلي وصديقي المستشار إيهاب كامل عمار ، ابن الحسب والنسب ، وبررا ذلك أمام أهلهم بأن كلانا ينتمي لعائلات كبرى تكافئ عائلاتهم . 

وعبر تلك السنوات الطويلة .. كنت أنا ( وأعوذ بالله من كلمة أنا ) رقم واحد في هذه الأسرة بكاملها .. 

فكانت ( أوسة ) كما كنت أناديها .. تناديني بابني البكر .. وليس في هذا أية مبالغة أو تهويل .. وجميع ابنائها ينادونني ( أبيه ) و ( عمو ) .. لحسن تربيتهم وطيب أصلهم . 

ارتبط اسم ( رئيسة هانم ) .. مع أهلها وذويها وكل من عرفها " بشيخة العرب " .. لا ترد سائلا .. ولا تخيب رجاء طالب معروف .. بل تردد أن هذا هو الباقي .. وأن ما ننفقه هي الزائل .. 

لقد عانت حماتي سنوات طويلة جدا من الأمراض المستعصية .. حتى كانت تتألم ولا تشكو .. يمنعها الأطباء من أبسط احتياجات الإنسان ولا تعترض .. بل كانت دوما بشوشة قانعة لقضاء الله فيها .. محتسبة كل هذا تكفيرا لذنوبها .. وزيادة في أجرها .

وقد دارت حوارات عديدة مع كثير من المعزين المشيعين " حيث اقتصر العزاء على تشييع الجثمان فقط " .. عن السر الإلهي لهذا الحب الجارف في قلوب ووجدان كل من شارك فيه .. فكانت الإجابات تكاد تكون متطابقة .. أنها " شيخة عرب ".

وقبيل مراسم الدفن .. لهجت بلواعج مشاعري  .. وردد الجميع معي هذا الدعاء :

«اللهمّ إنّ رئيسة هانم بنت عبد اللطيف  عبدتك حق عبادتك .. فهي عبدتك وابن عبدك، انتقلت  من الدّنيا ، وفارقت أبنائها ومحبيها ، وأحبّائها فيها .. بإذنك وقدرتك ..

« اللهمّ إنّها كانت تشهد  أنّك لا إله إلّا أنت، وأنّ محمّدًا عبدك ورسولك، وأنت أعلم بها من كل الخلق ».

« اللهم إنك كنت تعلم ما عانته من آلام المرض ومشقته .. وكانت صابرة محتسبة .. راضية .. مؤمنة بك .. مسلمة بقضائك وقدرك ».

« اللهمّ إنّا نتوسّل بك إليك، ونقسم بك عليك أن ترحمها ولا تعذّبها ، وأن تثبّتها عند السّؤال».

« اللهمّ إنّها نَزَلت بك وأنت خير منزولٍ به، وأصبحت فقيرة إلى رحمتك، وأنت غنيٌّ عن عذابها ».

« اللهمّ آنسها في وحدتها، وفي وحشتها، وفي غربتها».

« اللهمّ أنزلها منزلًا مباركًا، وأنت خير المنزلين».

« اللهمّ أنزلها منازل الصدّيقين، والشّهداء، والصّالحين، وحسُن أولئك رفيقًا».

«اللهمّ اجعل قبرها روضةً من رياض الجنّة، ولا تجعله حفرةً من حفر النّار».

« اللهمّ افسح لها في قبرها مدّ بصرها، وافرش قبرها من فراش الجنّة».

« اللهمّ أعذهامن عذاب القبر، وجفاف ِالأرض عن جنبيها».

« اللهمّ املأ قبرها بالرّضا، والنّور، والفسحة، والسّرور».

« اللهمّ إنّها  في ذمّتك وحبل جوارك، فقِهِا فتنة القبر، وعذاب النّار، وأنت أهل الوفاء والحقّ، فاغفر لها وارحمها ، إنّك أنت الغفور الرّحيم».

وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم 

ويبقى تساؤل 

ألا تستحق حماتي بمسيرتها تلك أن نحذو حذوها ونختتم حياتنا بالذكرى العطرة الطيبة ؟

رحمكي الله يا أعز الناس 

نسألكم الدعاء لها وقراءة الفاتحة على روحها الطاهرة .

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads
ads