الكاتب الصحفي: الحسيني عبدالله
حكايات مصيرية.. أكتوبر.. واستدعاء الروح
الثلاثاء 12/أكتوبر/2021 - 11:04 ص
طباعة
sada-elarab.com/607808
يقول «ناحوم جولدمان» رئيس الوكالة اليهودية الا سبق
في كتابه «إلى أين تمضي إسرائيل» إن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 انها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل في مواجهة العرب كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا حوالي خمسة مليارات دولار وأحدثت تغيرا جذريا في الوضع الاقتصادي في الدولة الإسرائيلية التي انتقلت من حالة الازدهار التي كانت تعيشها قبل عام رغم ان هذه الحالة لم تكن ترتكز على اسس صلبة كما ظهر، إلى ازمة بالغة العمق كانت اكثر حدة وخطورة من كل الأزمات السابقة غير ان النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت على الصعيد النفسي.. لقد انتهت ثقة الإسرائيليين في تفوقهم الدائم كما اعترى جبهتهم المعنوية الداخلية ضعف هائل وهذا اخطر شيء يمكن ان تواجهه الشعوب وبصفة خاصة إسرائيل وقد تجسد هذا الضعف في صورتين متناقضتين ادتا إلى استقطاب إسرائيل على نحو بالغ الخطورة، فمن ناحية كان هناك من بدأوا يشككون في مستقبل إسرائيل ومن ناحية اخرى لوحظ تعصب وتشدد متزايد يؤدي إلى ما يطلق عليه اسم عقدة «الماسادا» – القلعة التي تحصن فيها اليهود أثناء حركة التمرد اليهودية ضد الإمبراطورية الرومانية ولم يستسلموا وماتوا جميعا.
في كتاب "الأيام المؤلمة في إسرائيل" للكاتب الفرنسي "جان كلود جيبوه" يقول: في الساعة العاشرة وست دقائق من صباح اليوم الأول من ديسمبر أسلم ديفيد بن جوريون الروح في مستشفى تيد هاشومير بالقرب من تل ابيب ولم يقل ديفيد بن جوريون شيئا قبل ان يموت غير انه رأى كل شيء، لقد كان في وسع القدر ان يعفي هذا المريض الذي اصيب بنزيف في المخ يوم 18 نوفمبر 1973 من تلك الأسابيع الثمانية الأخيرة من عمره ولكن كان القدر قاسيا ذلك ان صحوة الرئيس لمجلس الوزراء الإسرائيلي في ايامه الأخيرة هي التي جعلته يشهد انهيار عالم بأكمله وهذا العالم كان عالمه، لقد رأى وهو في قلب مستعمرته بالنقب إسرائيل وهي تنسحق في أيام قلائل نتيجة زلزال اكثر وحشية مما هو حرب رابعة ثم راح يتابع سقوط إسرائيل الحاد وهي تهوي هذه المرة من علوها الشامخ الذي اطمأنت اليه حتى قاع من الضياع لا قرار له فهل كان الرئيس المصري انور السادات يتصور وهو يطلق في الساعة الثانية من السادس من أكتوبر دباباته وجنوده لعبور قناة السويس انه انما اطلق قوة عاتية رهيبة كان من شأنها تغيير هذا العالم.. ان كل شيء من أوروبا إلى أمريكا ومن إفريقيا إلى آسيا لم يبق على حاله التي كان عليها منذ حرب يوم عيد الغفران.
وجاء في كتاب "زلزال أكتوبر حرب يوم عيد الغفران" لـلمؤرخ العسكري الإسرائيلي "زئيف شيف" ما يلي: هذه هي أول حرب للجيش الإسرائيلي التي يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسي، هناك من نسوا أسماءهم وهؤلاء كان يجب تحويلهم إلى المستشفيات لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب في المفاجأة في حرب يوم عيد الغفران وفي تحقيق نجاحات عسكرية، لقد أثبتت هذه الحرب انه على إسرائيل ان تعيد تقدير المحارب العربي فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدا، لقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلى القمة وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوك وطفت على السطح اسئلة هل نعيش على دمارنا إلى الابد؟ هل هناك احتمال للصمود في حروب اخرى؟».- في كتاب «التقصير» الذي ألفه سبعة من كبار الصحفيين الإسرائيليين وهم: يشعياهو بن فورات، يهونتان جيفن، أوري دان، ايتان هيفر، حيزي كرمل، ايلي لندوا، ايلي تايور جاء ما يلي: لقد وصف مؤلفو الكتاب تلك الحرب التي لم يتوقعها احد، وما هي اسباب التقصير الإسرائيلي؟ وكيف تفوقت المخابرات المصرية؟ وكيف سقط خط بارليف؟ وكيف اجاد المصريون تكتم الحرب؟ وكيف افسد انتصار عام 1967 الجيش الإسرائيلي وسقوط الاعلام الإسرائيلي؟ يقول الكتاب: «لقد قاتل المصريون بصورة انتحارية خرجوا نحونا من مسافة أمتار قليلة وسددوا مدافعهم الخفيفة المضادة للدبابات على دباباتنا ولم يخشوا شيئا كانوا يتدحرجون بعد كل قذيفة بين العجلات فعلا ويستترون تحت شجيرة على جانب الطريق ويعمرون مدافعهم بطلقات جديدة وعلى الرغم من اصابة عدد من جنود الكوماندوز المصريين الا ان زملاءهم لم يهربوا بل استمروا في خوض معركة تعطيلية معركة انتحارية ضد الدبابات كما لو انهم صمموا على دفع حياتهم ثمنا لمنع الدبابات من المرور واضطر جنود المدرعات إلى خوض معركة معهم وهم يطلقون النار من رشاشاتهم من فوق الدبابات وحقيقة لم يحدث لنا من قبل في أي الحروب التي نشبت مع المصريين مواجهة جنود على هذا النسق من البسالة والصمود».وهذة الشهادات وغيرها ممن ذكرها المؤرخين الاسرائليين .وغيرهم من الكتاب في أوروبا. يظهر مدى شجاعة الجندي المصري في ميدان القتال.
وكذا شجاعة الشعب. الذى يقف خلف قيادته وجيشه في حالة اصطفاف وطني . في معركة البناء والتنمية . التي لم ولن تنتهي طالما ان هناك قلوبا تنبض بالحياة في مصر فكل مصري يعلم أن روح أكتوبر هي من نبني عليها أمجادنا وتاريخنا وما ضينا وهو ما شهد به العالم اجمع في معركة العزة بروح المقاتل المصري الذي استطاع ان يعيد الأرض المسلوبة ويقهر اسطورة الجيش الذي لايقهر ويحطم خط بارليف والمرور من اكبر مانع مائي . وربما لا تعرف الاجيال الجديدة القيمة التاريخية والاستراتيجية للانتصار في حرب أكتوبر عام 1973 لأنهم لم يقرأوا أو يعرفوا الكثير عن أجواء الإحباط والشعور بالانكسار الذي عاشت فيها الشعوب العربية بعد هزيمة 1967 و احتلال إسرائيل لكامل أراضي فلسطين والقدس العربية وهي التي مازالت تحتلها حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى احتلال شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان ، بعد ان نجحت الشعوب العربية من التخلص من براثن الاستعمار الغربي في منتصف القرن العشرين. وهنا يحضرني أغنية سيدة الغناء العربي ام كلثوم التي شددت بها عام 1967 تحث فيها كل مصري ان يعبر ويبني ويشارك والتي كتبها الشاعر عبد الوهاب محمد ولحنها الموسيقار رياض السنباطى: وتقول فيها:
دوس على كل الصعب وسير*** قوم بإيمان وبروح وضمير
دوس على كل الصعب وسير*** حق بلادك وحده عليك عايز منك سعي كثير دوس ***على كل الصعب وسير
ادى لعملك جهد زياد هذه*** الإخلاص لعملنا عباده
قوم بإيمان وبروح وضمير*** دوس على كل الصعب وسير
ابني وزود من أمجادك*** ابني لوطنك ولاولادك
فكر ابحث ازرع صنع*** كل مجاهد حينول امله
ربنا مش حيضيع ابدا ***أجر مكافح يتقن عمله
اخلق جدد انتج صدر ***خلي بلادك تقوى وتكبر
قوم بايمان وبروح وضمير*** دوس على كل الصعب وسير