طباعة
sada-elarab.com/598265
جواز نقل الأعضاء بين المصريين والأجانب استثناءً
لما كانت المقالة السابقة قد بينت المبدأ أو الأصل العام في حظر نقل الأعضاء بين المصريين والأجانب؛ فقد خُصصت هذه المقالة لإجمال الموقف وبيان الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ.
فالاستثناء فهو: جواز النقل بين المصريين والأجانب، والذي يمثل خروجًا عن الأصل العام؛ فتطبيق الاستثناء يفيد بتقرير جواز النقل بين المصريين والأجانب الأحياء، وبخاصة بعدما فَتحَت قرابات المصاهرة والنسب أبوابًا يجوز فتحها من أجل نقل الأعضاء من المصريين إلى الأجانب متى استظلوا بمظلة قانونيَّة قد توافر معها أيٌّ من الحالات التي نص عليها القانون.
وفي ظلِّ ما للمجتمع المصري من خصوصية مرجعها الكثافة السكانية المعلومة، إلى جانب ارتفاع مستوى الفقر بين طبقات المجتمع؛ فقد ثبُت للأسف وجود تجارات غير مشروعة لبيع الأعضاء؛ إما مستترة، أو تمارس جِهارًا!! مع أُناس ناشدتهم الحاجة وطالبهم الفقر لاستئصال جزء من جسدهم ليبيعوه لمن يحتاجها مصريًّا كان أو لم يكن.
وموازنة بين ما ورد بالفقرتين؛ فقد نصَّ قانون زرع الأعضاء البشرية المصري على بعض الحالات التي يمكن فيها الخروج عن الأصل العام، وبالتالي إمكانية نقل الأعضاء بين المصريين والأجانب حال توافر أي من الاستثناءات التالية:
الاستثناء الأول: جواز التبرع بالأعضاء البشرية بين الزوجين حال كون أحدهما مصريًّا، والآخر أجنبيًّا. وهو أمر خاضع لثلاثة شروط الأول: أن يكون أحد طرفي عملية التبرع مصريًّا، والثاني: وجود عقد موثَّق يُثبت الزواج، والثالث: مُضيُّ مدة 3 سنوات على الأقل على هذا الزواج
والاستثناء الثاني: جواز التبرع بالأعضاء البشرية بين الأخوة بعضهم البعض مصريين وأجانب؛ فبحسب ما ورد بالمادة الثالثة من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور، فقد نُصَّ على جواز النقل بين الأبناء من أمٍّ مصرية وأبٍ أجنبي أو العكس؛ وعليه فبمقتضى هذه الحالة يجوز الزرع بين أبناء الأم المصرية والأب الأجنبي (أو الأب المصري والأم الأجنبية) فيما بين الأبناء جميعًا، وهو ما يعني إباحة نقل الأعضاء من الأخ المصري تبرعًا حال حياته إلى أخيه غير المصري.
وبطبيعة الحال يجدُ القول السابق دليلاً في القانون رقم 5 لسنة 2010 في شأن زرع الأعضاء البشرية مما نصَّت عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من أنه: "يجوز الزرع بين الأبناء من أمٍّ مصرية وأبٍ أجنبي فيما بينهم جميعًا" (أي فيما بين الأبناء بعضهم البعض).
وكما هو ظاهر مما وراء النص؛ فهو اعتدادٌ بما تتطلَّبه مقتضيات الترابط الأسري الذي قوامه تمتُّع أيٍّ من الإخوة بالجنسية المصرية، يستوي في ذلك أن يكون تمتع هذا الأخ تمتعًا أصليًّا بالجنسية أو حتى طارئًا مكتسبًا؛ وسواء أكان هو الطرف المعطي أم المتلقي؛ لأنَّ حملَ أيٍّ من الأخوات للجنسية المصرية هو قوام وركيزة هذه الحالة.
وفي المعنى ذاته: قد يكون هناك أخوان غير شقيقين أحدهما مصريٌّ والآخر غير مصري؛ فيكون حينئذ نقل الأعضاء البشرية جائزًا فيما بينهما.
والاستثناء الثالث: جواز التبرع بالأعضاء البشرية وزرعها بين الأجانب (أصحاب الجنسية الواحدة)؛ فالفرض هنا أنَّ كلًّا من المتبرِّع والمنقول إليه (المُتلقي) يحملان الجنسية الأجنبية ذاتها، بغض النظر عن ماهيتها، وهنا أجاز المشرع المصري القيام بعملية التبرع فيما بينهما، وإن اشترط كي تتمَّ عملية الزرع أن يتمَّ: "طلب الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم".
وبناءً عليه يشترط وجود طلب صادر عن الدولة الأجنبية التي يتبعها كلٌّ من المتبرع والمتلقي يفيد رغبتهما في إجراء عملية زرع عضو بشريٍّ أو جزء منه أو نسيج تحت مظلَّة أيٍّ من الكيانات الصحية الموجودة بجمهورية مصر العربية، والمرخَّص لها القيام بمثل هذه العمليات، وهو ما من شأنه أن يؤكد مساهمة الدولة الأجنبية مع الجهات المصرية المختصة في حماية رعاياها؛ إذ من غير المتصور أن تكون الدولة الأجنبية طرفًا في الإتجار بالأعضاء البشرية لمواطنيها.
ويُضاف إلى ما سبق أن اشتراط المشرع المصري وحدة جنسية كلٍّ من المتبرع والمتلقي ليس من شأنه فقط التدليل على جديَّة موقف المشرع المصري في هذا الخصوص، بل وغلق الأبواب ـ بلا مواربة ـ في وجه من يدَّعي اتخاذ المؤسسات الطبية المصرية كغطاء يُمكن من خلاله التستر على عمليات الإتجار بالأعضاء البشرية.
وما سبق يكمله التأكيد على استمرار أحقية الدولة الأجنبية التي يَتْبَعها كلٌّ من المتبرع والمتلقي الأجنبيَّين في أن ترفض منحهم الطلب المقدَّم من قِبل دولتهم بما يفيد عدم موافقتها على إجراء مواطنيها لعملية الزرع في مصر لسبب أو لآخر ترى الدولة الأجنبية جديَّته؛ كما إذا استشعرَتْ وجود أيِّ شُبهة قد يُستغَل بها رعاياها للقيام بأيٍّ من الأنشطة غير المشروعة للإتجار بالأعضاء البشرية أو غير ذلك؛ وبناءً عليه ففي حال عدم اعتراض دولتهم التي ينتمون إليها بجنسيتهم؛ فإن هذا قد يُفهم منه ضمنًا قبولها لإجراء عملية الزرع في مصر.
وفي ختام سلسة مقالات استئصال الأعضاء البشرية وزرعها في القانون المصري، ثمة توصيات ننادي بها: أولها: مناشدة المشرع بتغليظ العقوبات عمَّا هو منصوص عليه بالقانون رقم 5 لسنة 2010 في شأن زرع الأعضاء البشرية؛ كي تكون رادعة لكلِّ من تُسوِّل له نفسه المتاجرة بالأعضاء البشرية أو مخالفة ما نُصَّ عليه بالقانون؛ كاشتراط حصول المؤسسات الطبية على تراخيص معيَّنة من أكثر من جهة تكون أكثر صرامة مما نُصَّ عليه.
ثانيًا: أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة تجارات سرقة الأعضاء البشرية المتسترة على كافة الأصعدة الديني والقانوني والطبي والشرعي، ثالثًا: ضرورة عقد الدورات التدريبية المُلهِمة لمسئولي القطاعات الطبية والجراحين القائمين على هذه العمليات لتبصيرهم، وترسيخ قيم إعلاء شأن ما تُحتِّمه عليه ضمائرهم؛ فالموضوع جِدُّ معقَّد متشابك، وهم فرع أصيل في المسألة، رابعًا: إنشاء وحدات متنوعة متخصصة منها: الأوليَّة: لمراقبة "تطبيق صحيح ما اشترطه القانون"؛ وثانيةً للتنظيم؛ وثالثةً للتأكُّد من الجودة والفعالية، ورابعةً لمتابعة: "أنَّ عمليات زرع الأعضاء البشرية قد حقَّقت بالفعل أهدافها التي قامت من أجلها".
وإلى هنا تكون قد انتهت سلسلة مقالات زراعة الأعضاء ... والله الموفق
(*) مدرس القانون الدولي الخاص كلية الحقوق - جامعة القاهرة