طباعة
sada-elarab.com/588916
لقد وضحت المقالة السابقة أبعاد الزيادة المستمرة في عمليات استئصال الأعضاء البشرية وزرعها، وفي ظل هذه الزيادة الملحوظة تم تخصيص هذه المقالة كي تستعرض الشروط القانونية العامة السابقة للتبرُّع بالأعضاء، معتمدة في ذلك على ما ورد بالقانون رقم 5 لسنة 2010 في شأن زرع الأعضاء البشرية.
ولعل من أهم ما يمكن أن نبدأ به ما نص عليه القانون المذكور من أنه:
"لا يجوز إجراء عمليات زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة بنقل أيِّ عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حيٍّ أو من جسد إنسان ميت بقصد زرعه في جسم إنسان آخر، إلَّا طبقًا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفِّذة له".
ومن دون إغفال نصوص اللائحة التنفيذية للقانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زراعة الأعضاء البشرية، وبالتحديد ما نصت عليه مادتها الثانية في الشأن ذاته.
وعليه فبالنسبة للشروط القانونية العامة السابقة للتبرُّع بالأعضاء؛ فالأمر فيها يتعلق بثلاثة شروط: الأول هو: الإرادة الحرة للمتبرع؛ إذ يشترط القانون أولًا لصحة التبرُّع أن يكون المتبرع صادرًا عن إرادة حرة، لا يشوبها غلط أو تدليس أو إكراه، ويُثبَتُ ذلك بموجب إقرار كتابي من المتبرِّع، ويعزز بشهادة اثنين من أقارب الدرجة الأولى، أو مُصدَّقًا عليه من الشهر العقاري.
أي أن الشرط السابق يشمل شقَّين؛ أولهما: يتصل بلزوم أن يكون النقل على سبيل التبرع؛ ومن ثَمَّ انتفاء شبهة التربح، وثانيهما: باشتراط أن يكون هذا المتبرِّع حُرًّا لا يعتريه عارض من عوارض الأهلية؛ بمعنى أن تكون موافقة المتبرع موافقة اختيارية ليس فيها إجبار وعن اقتناع من المتبرع لإجراء العملية.
أما عن الشرط الثاني من الشروط القانونية العامة السابقة للتبرع بالأعضاء فهو: لزوم وجود ضرورة العلاجية؛ أي وجود ضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المنقول إليه ذاتها، وذلك بأن يكون النقل هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الضرورة، وهو ما يقرره الفريق الطبي الخاص بالمؤسسة الطبية التي ستُجري عملية النقل.
أو حتى وجود ضرورة تقتضي علاج المنقول إليه من مرض جسيم؛ بحيث يمكن معه أن تستمر حياة الشخص، ولكن مع الإخلال بأداء وظائفه الحيوية، مع التأكيد على لزوم ألاَّ يكون من شأن النقل تعريض حياة المنقول منه أو صحته لخطر جسيم، وهذا الخطر الجسيم المذكور عرفه الفقه بأنه: الخطر الناجم عن أيٍّ مما يلي: عدم مراعاة الحيطة والحذر، أو عدم اتباع القواعد والأصول الطبية المتعارف عليها، أو عدم الدراية الكاملة بمثل هذه الجراحات من قبل الطبيب القائم بالجراحة.
هذا ويُكمل الشرطين السابقين المتمثلين في: الإرادة الحرة للمتبرع، ولزوم وجود مقومات مبدأ "الضرورة العلاجية" التي تقتضيها المحافظة على حياة المُتلقي ـ شرطٌ ثالث هو: حظر القيام بعمليات زراعة الأعضاء، أو أجزائها أو الأنسجة أو الخلايا التناسلية التي من شأنها أن تؤدي إلى اختلاط الأنساب، ولا يخفى ما وراء سبب هذا الشرط المذكور من أهمية منبعها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية الغرَّاء، والنظام العام.
وإلا فمعلوم أنه لا غضاضة لدى بعض الدول الأجنبية في أن تتمَّ عملية نقل مبيض من أخت إلى توأمها، أو حتى نقل غير ذلك من الأعضاء التناسلية الدقيقة، وبحسب ما طُرح بالفعل أمام محكمة نابولي الإيطالية في خصوص نقل بعض الأعضاء التناسلية من شاب إيطالي إلى رجل برازيلي، وما أجازته المحكمة في هذا الخصوص تذرعًا برضا المريض وعدم إحداث ضرر له، إلى جوار مشروعية العملية على حدِّ تعبير المحكمة في حيثياتها.
وبناءً عليه فربطًا لما قيل في حقِّ الشرطين الثاني والثالث؛ فإنَّ المشرع المصري وإن أخذ بمبدأ الضرورة العلاجية كشرط يسبق جواز القيام بعمليات استئصال الأعضاء البشرية وزرعها، إلا أنه وفي الوقت ذاته حظر صراحة زراعة الأعضاء التي من شأنها أن تؤدي إلى اختلاط الأنساب.
وقبل ختام هذه المقالة فثمة أمرين اثنين يجب الإشارة إليهما هنا وهى أنَّ:
أولاً: الشروط السابق بيانها يتعيَّن استيفاؤها قبل القيام بعمليتي الاستئصال، ومن ثمَّ الزراعة.
ثانيًا: هذه الشروط ذاتها – كما يبدو من عنوانها – هي شروط عامَّة يتعيَّن توافرها قبل القيام بعمليتي الاستئصال والزراعة، فإلى جوارها يوجد بعض الشروط الخاصَّة التي ترتبط بكلِّ حالة على حدة.
وإلى هنا تكون قد انتهت الشروط القانونية العامة السابقة على التبرع بالأعضاء البشرية بحسب ما نص عليه القانون المصري، ويبقى من الأهمية بمكان استكمال حلقات السلسة وبيان الموقف القانوني إذا كان أحد أطراف عملية استئصال وزرع الأعضاء أجنبيًّا، والطرف الآخر – وعلى الأخص المتبرع - مصريًّا؛ وهو شأن يحوي العديد من التفاصيل المشوقة التي سيتم تناولها لاحقًا.
(*) مدرس القانون الدولي الخاص كلية الحقوق - جامعة القاهرة