الكاتب الصحفي: الحسيني عبدالله
حكايات مصيرية.. رمضانيات: آفة اجتماعية
الأربعاء 28/أبريل/2021 - 10:42 ص
طباعة
sada-elarab.com/577862
شهر رمضان المبارك الذي يعد شهر التقوى، اصبح يشهد ظواهر سلبية تتنافى وما في هذا الشهر الكريم من خصوصية، ومن بين هذه الظواهر السلبية، ظاهرة الاسراف في الأطعمة وما يحدث في سائر المنازل من طهي وطبخ للعديد من المأكولات وإعداد للمشروبات، ثم تناول اليسير منها واتلاف ما تبقى. لقد جاء الذم القطعي الصريح للترف والاسراف في الطعام والشراب في قوله تعالى ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]
ياتي الإنفاق على الطعام خلال شهر رمضان علي راس أولويات الأسر المصرية التى تقتطع النسبة الأكبر من دخلها لشراء السلع الغذائية خلال الشهر الفضيل
ووفقًا لعدد من الدراسات والإحصائيات الواردة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ومركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء و التى اهتمت بفاتورة إنفاق المصريين واستهلاك الطعام فى شهر رمضان خلال السنوات الاخيرة وتحديدا في سنوات 1018 و2019 قبل جائحة كورونا ، فقد أشارت أرقام هذه الدراسات إلى أن حجم استهلاك الأسر المصرية من اللحوم كان 30 ألف طن من اللحوم البلدية والمستوردة، كما تم استهلام نحو 65 إلى 70 ألف طن دجاج على مدى الشهر، واختلفت توقعاتها بحجم فاتورة الإنفاق فى شهر رمضان ولكنها اتفقت مع توقعات خبراء الاقتصاد على أنها ستكون مرتفعة هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة
هناك دراسة تؤكد أن الأسر المصرية تنفق 250 مليار جنيه سنويًا على الطعام بما يمثل 45% من إجمالى إنفاقها السنوى ،و شهر رمضان وحده يستأثر بالنصيب الأكبر منها مقارنة بباقى شهور العام حيث يصل الحجم المتوقع من مبيعات الطعام خلاله إلى 45 مليار جنيه بواقع 1.5 مليارجنيه يوميا
كما يرتفع معدل استهلاك اللحوم 3 أضعاف الشهور العادية و يصل معدل استهلاك الأرز إلى 76 ألف طن و المكرونة إلى 28 ألف طن و100 ألف طن حجم الاستهلاك من الحليب و60 ألف طن زبادي
وأكد ت الدراسة أن مصروفات شهر رمضان تعادل تكاليف 90 يوما عاديا وأن 83% من الأسر المصرية تغير عاداتها الغذائية خلال هذا الشهر لتتضاعف النفقات بسبب العزومات والولائم الجماعية بنسبة 23% بالمقارنة بالأشهر العادية،
وتاتي خطورة الاسراف علي في الماكل والمشرب انه يعد مِن الأمراض الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة، التي تُهدِّد الأمم والشعوب
ومن طبيعة البشر أنهم إذا شعروا بالثراء واليسار توسَّعوا في النفقاتِ، وبالغواُ في الاستهلاك، وأهَدرُوا الأموال، بل لا يعرفون أيَّ معنًى لوفرةِ المالِ إذا لم يصاحبها استهلاكٌ أكثر، ورفاهيةٌ أشمل، وتمتُّعٌ بالكماليَّات أوسع، وقد صرَّح الله جل وعلا بذلك فقال:﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7]، وقال: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ﴾ [الشورى: 27].
والإسراف يُطلقُ على الإكثار من كل شيء؛ فمَن أسْرَفَ على نفسه بالمعاصي حتى وَقَعَ في الكفر فهو مُسْرِفٌ على نفسه، كما قال تعالى عن فرعون: ﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس: 83]،
ومن الإسراف تجاوز الحد في شراء الأطعمة، وأشدُّ منه أن تُرمى في الأماكن التي لا تليق بها، ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من التنعُّم حتى بالمباحات؛ لأنه مظنةٌ للسرف وتضييع للمال؛ فقال: ((إيَّاكم والتنعُّم؛ فإنَّ عبادَ الله ليسوا بالمتنعمين))؛ وذلك من أجل الحِفاظ على الأموال والموارد التي سيُسألُ عنها العبدُ يوم القيامة.
بل إنَّ حِفْظَ المال فيه حِفْظُ الدين والعِرْض والشرف، وقد قال الحكماء: (مَن حَفظَ مالَه، فقد حَفظَ الأكْرَمَيْنِ؛ الدين، والعِرْض).
إنَّ الشريعة لم تحرِّم اكتسابَ الأموالِ ونماءَها والتزود منها، بل حثَّتْ عليه، ولكنَّها بيَّنت الطرقَ المحرمة في كَسْبِه وإنفاقِ
ومن الطرق المحرَّمة في إنفاقه الإسراف، وإهداره بغير حقٍّ؛ إما في سفر محرَّم، أو في حفلات باهظة التكاليف يُلقى فائضُ أطعمتها في النفايات، فليس هذا من حفظِ المال، ولا مِنْ شُكْر الله تعالى على نعمته،
لقد تحوَّل الإسرافُ في عصرنا هذا مِن سلوكٍ فردي لدى بعض التجَّار والواجدين إلى ظاهرةٍ عامة تجتاحُ الأمة كلَّها؛ فالواجدُ يُسرف، والذي لا يجدُ يقترضُ من أجل أنْ يُسْرفَ، بحجةِ تلبية متطلبات أُسْرته من الكماليَّات، وهذا مما أفرزته الرأسماليَّة العالميَّة التي أقنعتِ الناس بذلك؛ عبر الدعاية والإعلان في وسائل الإعلام المختلفة
فالرأسماليَّة ترى أنَّ المحرِّك الأساس للإنتاج هو الطلب