طباعة
sada-elarab.com/575357
تصادف هذا العام مئوية الحزب الشيوعي الصيني وسوف يحتفل الصينيون بهذه المناسبة وعلى جدول اعمالهم مواجهة تحدي توسيع فضاء الحريات في البلاد، وهو تحدي اسقط سابقاً الاتحاد السوفياتي، فعلى حد قول رئيس الوزراء الروسي حينئذ يفجيني بريماكوف لم يسقط الاتحاد السوفيتي بمعركة عسكرية وإنما سقط بمعركة اعلامية في ميدان الحريات الديمقراطية. فقد استخدم الغرب مخالبه الاعلامية الفعالة لتسقيط الانجازات والتركيز على غياب الحريات. فهل تنجح الصين اليوم باعتماد الليبرالية السياسية كما نجحت في استخدام الليبرالية الاقتصادية رغم شيوعيتها وعملت بمعايير السوق عبر منظمة التجارة الدولية؟
سؤال مركزي يواجه حاضر القوة الصينية ومستقبلها، هذه القوة التي تتعرض لامتحان صلاحيتها لادارة العالم بعد ان تأكدت بداية افول هيمنة الولايات المتحدة الامريكية وانطلاق الصين لتصبح قوة لا منافس لها نظراً لما يلي :
أولاً : تفوق الاقتصاد الصيني على الامريكي : وابرز مظاهره تراكم الديون الامريكية لصالح الصين التي بلغت 300و1 ترليون دولار، وكذلك بلوغ الناتج المحلي الإجمالي للصين عام 2014، نحو 17.617 تريليون دولار، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية، للعام نفسه، نحو 17.418 تريليون دولار. وزيادته عام 2016، حيث قدر صندوق النقد الدولي حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين بنحو 21.269 تريليون دولار، مقابل 18.562 تريليون دولار للاقتصاد الأمريكي، اي ان الاقتصاد الصيني يزدياد قوة باستمرار.
ثانياً: لم يجر استغلال الوفرة المالية الصينية لاضعاف عملة الدولار لصالح عملة اليوان كما هو متوقع ، ولم يكن ذلك كرما صينياً وانما تلاعبت الصين بقيمة عملتها للحفاظ على أسواق صادراتها وتحقيقاً لمصالحها .
ثالثاً: العالم يتحول من الاعتماد المتبادل الى الاعتماد التبعي: استحدث وباء كورونا مفاهيم جديدة للعلاقات الدولية، فقد تحول مفهوم الاعتماد المتبادل بين الدول، الى ما اسماه خبراء العلاقات الدولية بالاعتماد التبعي الذي نجم عن الوباء، حيث تأكدت تبعية دول كبرى في مجال الكمامات والعلاجات واللقاحات، وقد عجزت اقتصادات هذه الدول على تلبية احتاجاتها الصحية، في وقت تفوقت فيه الصين على الجميع وبات الكل تابع لمنتجاتها.
رابعاً : أدت التطورات السابقة الى ما أصطلح عليه "تحول القوة" في العلاقات الدولية، ويشير هذا المفهوم إلى بروز قوة جديدة مؤثرة على النظام الدولي بعدما فقدت القوة السابقة دورها القيادي. ويتطلب تثبيت مبدأ تحول القوة وفعاليته امتلاك الدولة الصاعدة مقومات تفوق تلك التي امتلكتها الدولة التي جرى اضعافها.
خامساً : ربما تكون اضعف حلقات التفوق الصيني التي تعرقل تثبيت مبدأ تحول القوة هي عدم مواكبة اوضاع الصين السياسية التسلطية المنغلقة مع اوضاعها الاقتصادية الليبرالية المفتوحة على السوق العالمية. لذلك تتركز جهود الاجيال الصينية الشابة اليوم على استحداث طرق لتجسير الفجوة بين انجازات الصين الكبرى على الصعد الاقتصادية والتكنولوجية والالكترونية والعسكرية وانتكاساتها على صعيد الانفتاح السياسي واطلاق الحريات .
وعلى الرغم من التوجهات الجديدة المطالبة باحداث تحولات في فضاء الحريات العامة والقول ان الثقافة الصينية ليست منافية للانفتاح، فإن تقاليد الانضباط والطاعة والتسلط الحزبي في ماضي وحاضر الصين تعد من اكثر المعوقات. فغالبية القادة يرون اولوية التطوير الاقتصادي والتركيز على التنمية.. وان الجهود ينبغي ان تتوجه نحو تأسيس عولمة جديدة من خلال "الحزام والطريق "وهو مشروع عملاق لاحياء طريق الحرير تساهم فيه 123 دولة، ترغب الصين بشبك مصالح هذه الدول و تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية.
ان الخوف من تكرار تجربة الانهيار السوفياتي يقيد الى حد كبير الخيارات الصينية: فإما الاصلاح السياسي او البقاء تحت رحمة الاعلام الغربي ومحاصرة المنجزات الصينية ، وما بين الخيارين يتجسد مارد الجيل الخامس G 5الكترونياً ليفرض واقعاً جديداً يحمل من خطورة الاشعاعات بقدر ما يحمل من تطور الذكاء الاصطناعي، وأتمتة الآلات، ومعدات الفضاء!!