طباعة
sada-elarab.com/569685
إن جاز لنا وضع عنوان للقاء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه برؤساء تحرير الصحف المحلية، فلن يكون سوى «الوفاء للوطن والعرفان بدور من أسهموا في بنائه»، وذلك على الرغم من محاور عديدة تطرق إليها سموه سأستعرض بعضها بالتحليل.
فلقد وضع سموه مبدأ مهما في هذا اللقاء، حيث اختص الصحافة الوطنية لكشف ملامح التوجهات الاستراتيجية للحكومة، وهي رسالة للخارج قبل أن تكون للداخل، تؤكد أن الصحافة في البحرين هي وسيلة التعريف عن المملكة ولها التقدير في ذلك وعليها مسؤولية تنوير المجتمع وأمانة القلم.
وفي بداية كلام سموه، وضع «نهج جلالة الملك حفظه الله ورعاه» تاجًا لهذا الحوار وأكد على المسؤولية في مواصلة السير على هذا النهج، ولم ينسَ سموه مناقب الراحل والمغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، بل وأكد فخره بإسهاماته في تأسيس العمل الحكومي، وتلك كانت سمة أهل البحرين في تقدير الكبار.
وربما تكرر في حديث سموه التأكيد على أهمية الإنسان في صناعة الأوطان، حين أعرب عن الفخر بالكفاءات الوطنية وتميزهم بحب التحدي وعشق الإنجاز، وتفاؤل سموه بمستقبل واعد رغم التحديات، وما كشفته جائحة كورونا من التلاحم والتكاتف والعزيمة.
ويبرز من حديث سموه مفهوم شامل عن التنمية، بأن أساسها هو تحقق الأمن، سواء الداخلي من حيث مسؤولية الدولة في حفظ حقوق المواطن باعتباره الثروة الحقيقية، أو الخارجي بوحدة الصف والأهداف مع الدول الشقيقة في المنطقة، بالتوازي في التشديد على حسن الجوار مع دول أخرى والتلويح بالجاهزية في الدفاع عن مصالح الوطن والمواطن، وتأكيد سموه على أن الأمة العربية بحاجة لمزيد من التكاتف وبناء العلاقات وفق المصالح المشتركة، في سياق متسع لمنظور الأمن المؤدي للتنمية، وصولاً إلى منظور سموه للعلاقات الدولية.
ولم يكن لسموه أن يترك الحديث عن الاقتصاد في هذا اللقاء وكعادته، حيث عاد ليؤكد أن أهم أركانه هو الاستثمار في المواطن من خلال التعليم والخدمات الصحية باعتباره الثروة الوطنية وليس النفط، ثم تدرج إلى مرحلة التركيز على القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية وفي مقدمتها الخدمات المالية وتقنية المعلومات والاتصالات والسياحة والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية، وذلك بعد أن وضع المواطن على رأس تلك المنظومة.
واسترسل سموه في الحديث عن تشجيع الشباب البحريني على الابتكار والعمل، حيث أكد أن البحريني مبتكر ولديه حب للإبداع وبحاجة لزيادة الفرص والتمكين بدلا من الحماية والانغلاق، ووعد بتعزيز البيئة التنافسية المفتوحة على العالم، من خلال مد الجسور مع الاقتصاد العالمي، وهو ما يظهر للقارئ في الداخل والخارج، ما يرنو إليه سموه من تحقيق تفاعل ديناميكي بين إبداعات المواطن ونظرائه في دول العالم، وإتاحة جسور لهذا التفاعل.
ولقد فتح سموه خلال الحديث الصحفي، جانبًا آخر من التحديث والتطوير، وأعتقد أنه أحد قواعد البنية التحتية للدولة العصرية، حيث تكلم عن تطوير التشريعات والقوانين والقضاء والأجهزة المعاونة في تنفيذ العدالة، وعلى الرغم من كونها كانت عبارات أو عناوين غير مفصلة، إلا أنها تمثل مفاتيح لأبواب المستقبل في مجال يعتبر من أكثر المجالات تأثيرًا على الأمم وهو التشريع والعدالة والانفتاح على العالم بتلك التشريعات.
وإن كانت العدالة المتطورة والناجزة تمثل ركيزة مهمة للاقتصاد، فإن صون المال العام والمحاسبة تمثل أحد أهم محاور جذب الاستثمارات العالمية، وأعتقد أن في كلمات سموه حول صون المال العام باعتباره أحد مرتكزات العمل الحكومي، سيكون لها صدىً عالميا لدى أوساط الاستثمار الدولية.
وفي سياق العرفان والوفاء، جاءت كلمات سموه عن رفد الجهاز الحكومي بكفاءات شبابية، لاحقة للتنويه بالتقدير والاعتزاز والاحترام لكبار موظفي الدولة الحاليين والسابقين والخبرات التي ساهمت في بناء الوطن، وكذلك حين تحدث عن جائحة كورونا، فرغم جهود سموه الملموسة في قيادة الفريق الوطني لمكافحة الفيروس، إلا أن سموه بدأ الحديث عن ذلك بذكر دور المجتمع ثم تناول ما قام به الفريق الوطني واختتم بشكر الجميع سواء المواطنين أو المقيمين والجهات ذات الصلة على التعاون ولم ينس دور المؤسسات الاقتصادية والبنوك.
ختامًا، أرى في ذلك الحديث الشامل العديد من المحاور التي تبين ملامح المرحلة القادمة من مستقبل العمل الحكومي، وعلاقة الدولة بالمواطن وسياساتها الخارجية، وأمور أخرى لم أتمكن من ذكرها في هذه المساحة المتاحة.