رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار

اخبار

المفتي: إحياء الحب والتسامح والتعايش واحترام الآخر واجب ديني وضرورة إنسانية أصيلة

الثلاثاء 24/نوفمبر/2020 - 11:07 ص
صدى العرب
طباعة
صدى العرب
- الأديان عامة والإسلام خاصة أرسى قيمة التعايش والتسامح كمبدأ حياتي أساسي

- النبي كان متميزًا بين قومه بتعايشه معهم واختلاطه بهم في مواطن الخير والنفع المجتمعي

- التعايش هو ركن ركين من تكوين شخصية النبي

- رغم التنوع الشديد في بيئة المدينة حرص النبي على إرساء مبدأ التعايش واحترام الآخر قولًا وعملًا

- التعايش والحوار مع الآخر مقاصد إلهية عليا من خلق الإنسان وجعله خليفة الله في الأرض

- التعايش مع الآخر ضرورة حياتية في ظل ما يعيشه العالم من أزمات مرجعها الأساس إلى فقدان هذه المبادئ


قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن إحياء قيم الحب والتسامح والتعايش واحترام الآخر قبل أن يكون واجبًا دينيًّا دعت إليه الديانات وأوجبته نصوصها؛ فهي قيم عليا وضرورة إنسانية أصيلة؛ إذ لا تنشأ حضارة ولا تقوم مدنيَّة ولا يتقدم البشر إلا في ظل الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي فيما بينهم.

وأضاف أنه لأجل ذلك فقد أرست الأديان عامة؛ والدين الإسلامي الحنيف خاصة هذه القيم الإنسانية العالية مبدأ حياتيًّا أساسيًّا، وخلقًا دينيًّا راقيًا ومكونًا أساسيًّا من مكونات الشخصية المسلمة لا غنى للمسلم عنه في كمال إيمانه وتمام دينه، كما روى النسائي وأحمد عن أبي هريرة أن رسول ﷺ قال: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده».

جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في أعمال اللقاء الثاني ضمن مبادرة "نتعايش باحترام متبادل"، بمقر وكالة أنباء الشرق الأوسط، حيث أوضح أن العرب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غلب عليهم عبادة الأوثان، وطغيان القوي على الضعيف، والعصبية الفارغة سواء أكانت عصبية قبلية أم عرقية أم دينية، ومع هذه المثالب التي كانت منتشرة قبل أن يستبدل الإسلام بها تعاليمه السمحة، فلقد كان النبي ﷺ متميزًا بين قومه بتعايشه معهم، واختلاطه بهم في مواطن الخير والبر والنفع المجتمعي؛ مع احتفاظه بالمبادئ الأخلاقية السامية، الأمرُ الذي دعا قومه لجعل الأمانة والصدق عنوانًا عليه ﷺ فهو عندهم (الصادق الأمين)، وما نشأ ذلك  إلا من خلال حسن المعاشرة وصدق القول ورقي المعاملة والرغبة المخلصة في نشر قيم الحب والسلام فيما بينهم، وهذا ما أثار في قلوبهم الإعجاب بأخلاقه، فجعلوه موضع ثقة مطلقة، وقد أشارت إلى ذلك السيدة خديجة عندما أتاها النبي صلى الله عليه وسلم يخبرها بأمر نزول الوحي عليه: والله لا يخزيك الله أبدًا، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق». والمشترك العام بين هذه الأخلاق هو التعايش الذي هو ركن ركين من تكوين شخصية النبي ﷺ.

وأضاف فضيلته أنه مع ما تعرض له المسلمون بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اضطهاد مستمر من قِبل المشركين، إلا أن النبي ظلَّ متمسكًا بمبدأ التعايش واحترام الآخر؛ وذلك في ظل الوصايا الإلهية والمبادئ القرآنية كمثل قوله تعالى: ﴿لكم دينكم ولي دين﴾ وهو خطاب صريح لكلا الفريقين من المسلمين وغيرهم، في تأكيد قيمة التعايش مع الاختلاف في الدين والعقيدة، والحث على إرساء هذا المبدأ؛ نظرًا لدوره في تحضر الإنسان وعمارة والأرض.

وأشار مفتي الجمهورية في كلمته إلى أن تنحية المشركين لهذا المبدأ كانت سببًا رئيسًا لحث النبي ﷺ للمسلمين على الهجرة إلى الحبشة مرتين؛ ثم حثهم على الهجرة العامة للمسلمين إلى المدينة المنورة لأجل تجنب الصدام الحتمي مع غير المسلمين ما أمكن، وكانت المدينة بيئةً مختلفة من حيث التعدد والتنوع القبلي والديني في جزيرة العرب قبل مجيئه ﷺ، فكان الأوس والخزرج صورة من صور الاختلاف القبلي، وكذلك كان اليهود والمسيحيون، بالإضافة إلى الوثنيين صورة للتنوع الدين، أضف إلى ذلك هجرة المهاجرين المسلمين ثم انتماء كثير من أهل المدينة إلى دين الإسلام، هذا بجانب الاختلاف العرقي، ولقد كان ذلك كله مثار النزاع والشقاق بل الحروب أيضًا، ومع هذا التنوع الشديد حرص المصطفى ﷺ على إرساء مبدأ التعايش واحترام الآخر قولًا وعملًا.

واستشهد فضيلته بما روي عن أبي يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِـبَـله، وقيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم -ثلاثًا-، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: (يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).

وقال فضيلته: "لقد كانت هذه الكلمة مؤذنة حقًّا بما جاء بعدها من خطوات عملية قضت على ما كان متوقعًا من دعوات طائفية وصراعات قبلية؛ إذ أقام عليه الصلاة والسلام رابطة (الأخوة) بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، فتفادت المدينة بذلك أي نوع من أنواع الصراع بينهم، وكذلك قضى رسول الله على الخلاف التاريخي بين الأوس والخزرج، ثم أعلن ﷺ صحيفة المدينة دستورًا لمن يعيش فيها من المسلمين وغيرهم، ليأتي القرآن مؤكدًا على ذلك كله باحترام قيمة التعايش السلمي القائم على الاحترام المتبادل، فيقول تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾".

وأضاف أنه لم يكن شيء أدل على ما سبق من المدنية التي أضحت نظامًا للمدينة المنورة- من أن النبي ﷺ توفي ودرعه مرهونة عند يهودي، ليضرب نبيُّ الإسلام في تطبيق قيمة التعايش واحترام الآخر أعظم المثل في مجتمع كان الأصل فيه العداوة والصراع والتشرذم ونبذ كل ما يؤدي إلى الحب والتعايش، ليصبح بعد ذلك ما رسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قيم وأخلاق مثالًا يحتذى به في داخل المدنية وما حولها من قبائل العرب؛ وهو الأمر الذي امتنَّ الله به على المسلمين بقوله جل ذكره: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103].

ولفت إلى أن المولى سبحانه وتعالى أكد في ظل الانفتاح الإقليمي والعالمي الذي عايشه المسلمون في العهد النبوي على إعلاء قيم التعايش والحوار مع الآخر؛ ليس لأنها أمر ضروري للحياة البشرية فحسب؛ بل لأنها مقاصد إلهية عليا من خلق الإنسان وجعله خليفة الله في الأرض مع علمه -سبحانه وتعالى- بأن المجتمعات البشرية سوف تكون على هذه الصورة من التنوع والاختلاف المجتمعي والجغرافي.

وأكد مفتي الجمهورية أن تلك النداءات الإلهية الخالدة في سورة الحجرات مثَّلت بما تضمنته من رسائل إلهية على المستويين العام (لكافة البشرية) والخاص (للمسلمين) أوضح دليل على أن الله يريد أن نعيش فيما بيننا بالحب والتسامح، فعلى مستوى الشأن العام للإنسانية قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13] فجعل سبحانه التعارف غاية من هذا الاختلاف الذي هو سنة كونية من سنن الله سبحانه وتعالى التي لا تتغير ولا تتبدل ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين﴾.

 

أما على مستوى الشأن الإسلامي فيقول تعالى بصدده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات: 11].

وأشار فضيلته إلى أنه وبالمقارنة بين هذين الخطابين لا نجد أي فرق البتة بين ما رسخه الله تعالى من قيم لتعايش المسلمين فيما بينهم، وما رسخه الله تعالى في القرآن الكريم من قيم لتعايش البشرية جمعاء، فكلها نداءات كريمة تدعو لإشاعة المحبة والمودة فيما بيننا، وتحريم وتجريم الاعتداء الحسي أو المعنوي على الآخر لأننا جميعًا ننبثق من شجرة واحد وأصل واحد هو نبي الله آدم عليه السلام.

وأوضح فضيلة المفتي في كلمته أن خطبة الوداع التي اشتملت على آخر الوصايا والرسائل النبوية للعالم أجمع كانت مُتضمنة للأصول الأخلاقية والقيم العليا للدين الإسلامي الحنيف، والتي قرر فيها أن من أصول الإسلام الأصيلة مبدأ الاحترام والتعايش مع الغير، فقد روى الإمام أحمد عن أبي نضرة عن النبي ﷺ قال: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى».

وأكد أن مسيرة الإسلام قد استمرت طيلة عهوده على هذا المبدأ، وكان لرسوخ هذه القيم الخالدة في تعاليمه المقدسة أثر كبير في سريانها بالتبعية إلى حضارته وإلى علومه وإلى أفكاره التي وصلت إلينا كتراث نعتز به وندعو إلى التجديد مع المحافظة عليه، فكانت علومه الراقية كالفقه الإسلامي والعلوم الكلامية والفلسفية التي احترمت رأي المخالف مهما كان، وأعلت مبدأ الحوار العقلاني، الأمر الذي أثرى العقل الإسلامي والإنساني من الناحية العلمية، وساهم في التقدم الحضاري والتنوع الفلسفي الذي شاركت فيه جميع الطوائف والملل من المسلمين وغيرهم على اختلاف أديانهم وألوانهم وأعراقهم وتوزيعهم الجغرافي، ولا أدل على ذلك التنوع من تجاور كتابات ابن ملكا البغدادي وموسى بن ميمون القرطبي جنبًا إلى جنب مع كتابات الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد والرازي والآمدي.

وفي ختام كلمته أكد مفتي الجمهورية أن التعايش مع الآخر -لا شك- ضرورة حياتية في ظل ما يعيشه العالم من أزمات مرجعها الأساس إلى فقدان هذه المبادئ، وإن التقدم والنهضة الإنسانية والتغلب على أزمات العالم المعاصر ومشاكله القائمة على فكرة الصراع الحضاري، لن يكون إلا باحترام الآخر وبالتعايش السلمي وإرساء مبادئ المحبة والحوار وقبول الآخر؛ ولذا فقد تكررت الدعوة الإلهية للناس جميًعا إلى هذا المعنى، فيقول تعالى: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء﴾، ويقول تعالى: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن﴾، ويقول تعالى: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم﴾ ويقول تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ إلى غير ذلك من الآيات التي تنص وتؤكد على قيمة التعايش واحترام الآخر.

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads
ads
ads