اقتصاد
لماذا لا تستجب البورصة بمؤشراتها وأسهمها إلى المعطيات الإيجابية والإشادات الدولية
الثلاثاء 10/نوفمبر/2020 - 05:45 م
طباعة
sada-elarab.com/552133
نرصد الأسباب الحقيقية بداية من الـ«مارجن» ومرورا بمستوى الجاذبية والظروف الدولية الدائمة والمؤقتة وانتهاء بدور «المؤسسات»
مع تطور الثقافة المالية على مستوى العالم بالتوازى مع الرقمنة والحداثة التكنولوجية قد يتحتم علينا تسليط الضوء إلى دور سوق المال المصرى وأهميته للفرد وللمجتمع، وبرغم صعوبة المهمة، بسبب ضعف الثقافة المالية لدى العديد، فهنا نستطيع القول أن دور أسواق المال لا يتوقف فقط عند البيع والشراء والمضاربة على الأسهم والمنتجات المالية المتاحة، بل هو فى الحقيقة وسيلة وأداة جيدة للتمويل والتطوير المستمر، لقيامة بمهام حيوية جدا مثل تجهيز الأموال وتوجيهها نحو الاستثمار، ونظرا لاحتياج جميع المشروعات الاستثمارية لضخ الأموال فيكمن السر هنا فى العمل على تحويل المدخر إلى مستثمر، من البداية، عن طريق خلق جيل مثقف ماليا واستثماريا، وربما يسعنا القول أن ضعف الاستثمار قد يكون ناتجا فى الحقيقة عن بعض السياسات الائتمانية والاقتصادية والمالية والنقدية، والتى قد تحتاج المراجعة للعمل على تحسين حالة الاستثمار فى السوق المصرى، وبالتالى، قد تنتج عن مراجعة تلك السياسات نمو فى عمليات الاستثمار، ومنع للسلبيات المؤثرة، وتفعيل حالة ممتازة من النمو المالى والاقتصادى لدى جميع المستثمرين، ليعود فى النهاية على المجتمع والفرد، والعمل على إنتاج مستثمرين فعليين، وهو الأمر الذى قد يحتاج إلى تحول العاملين على هذا الملف إلى «ماكينات لإنتاج المستثمرين»، نعم فإنتاج المستثمرين وتجهيزهم للسوق المنوط الاستثمار به يعد أمرا فى غاية الصعوبة، ولكن هو الأمر الوحيد الذى قد ينقذ الأجيال القادمة ماليا واقتصاديا.
لماذا لم تستجب البورصة المصرية بمؤشراتها بأسهمها دائما إلى الإشادات الدولية بالاقتصاد المصرى والأداء الجيد له، هو سؤال يستحق البحث والتحرى، خصوصا أن جميع المعطيات متاحة ومفروضة وظاهرة أمام الجميع، ولماذا مع كاستحقاق دستورى، أو خطوة جيدة أو قرار إصلاحى تتراجع مؤشرات البورصة أو أسهمها؟
صدى العرب ترصد أسباب التراجعات بمؤشرات البورصة المصرية
فى هذا السياق قالت «حنان رمسيس» الخبير الاقتصادى بالحرية للتداول أنه وعلى الرغم من النجاحات الاقتصادية التى استطاعت مصر تحقيقها بعد انتهاج إصلاح اقتصادى هو الأكثر صعوبة، واستمراريتها فى العديد من الإصلاحات الهيكلية والنقدية والمالية منذ العام 2016 وحتى الآن، وقدرتها على التصدى وامتصاص الآثار الاقتصادية الناجمة عن أزمة كورونا، حيث اشاد تقرير صندوق النقد الدولى فى تقريره بآفاق الاقتصاد فى منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا واسيا الوسطى، وقال ان مصر ستحقق واحدا من اعلى معدلات النمو على مستوى العالم فى العام الجارى 2020، وتوقع نمو عند 3.5% العام المالى الحالى وان يصل إلى معدلات ما قبل كورونا عند 5.6% عامى 2024 و2025، كما يرى ان احتياطيات النقد الاجنبى التى تسجل حاليا ارتفاعا ملحوظا حتى فى ظل «كورونا» عند مستوى 38.366 مليار دولار، كذلك مرونة سعر الصرف، وكلها تعد عوامل تدل على قدرة مصر على مواجهة الأزمات، بل وإدارتها الإدارة المثلى، هذا غير استمرار انتهاج سياسة تسير نقدى من قبل الدولة استطاعت من خلالها خفض أسعار الفائدة بنسبة 3.5% منذ بداية أزمة «كورونا»، إلى جانب اكتشافات الغاز الجديدة وانخفاض معدلات التضخم بنسب أحادية غير مسبوقة، وانخفاض الدين الخارجى بنسبة 1.5% فى آخر مراجعة، كما أن الموازنة العامة للدولة حققت فائضا مبدئيا بسبب ارتفاع الصادرات غير البترولية وانخفاض الصادرات، خصوصا فى بند الغاز الطبيعى، والتى استطاعت الدولة مع ترسيم الحدود اكتشاف المزيد من الاكتشافات، ليبقى السؤال هنا: لماذا لم تتأثر مؤشرات البورصة المصرية بالاستجابة لكل تلك المعطيات الإيجابية.. ولماذا لم تنطلق إلى ارتفاعات قياسية غير مسبوقة.. ولماذا يتم تحجيم أداء المؤشرات بين نقاط دعم ومقاومة لم يتم تخطيها؟
وهنا أرجعت «رمسيس» الأسباب إلى تفضيلات فئات وجنسيات المتعاملين وطريقة تفسيرهم للمعلومات وتفاعلهم معها، فالمتعامل الأجنبي، خاصة المؤسسات فى تخارج مستمر من الأسواق الناشئة، وزادت حدة هذا التخارج مع تداعيات فيروس «كورونا المستجد» والجائحة التى حدثت، كما أن الأسهم القيادية لم تعد لها الجاذبية الاستثمارية، وبعد أن حل المتعامل المصرى محل المتعامل الأجنبى، ويعتمد فى تداولاته على التداولات السريعة لتحقيق مكاسب رأسمالية سريعة، مع استخدام الأدوات التى تحسن التداول، كالهامش والشراء بالآجل، مما تسبب فى عدم استقرار المؤشرات فى المنطقة الخضراء، كما أن تعاملاتهم تدعم المؤشر السبعينى egx70ewi، وليس المؤشر الرئيسى egx30، مؤشر الأسهم القيادية، من جانبها تسببت الأنباء السلبية عن الموجة الثانية من «كورونا» فى دفع الجميع إلى المزيد من الحيطة والحذر عند فئات المتعاملين، فتسببت تلك الأنباء أيضا فى الأداء السيئ للمؤشرات المصرية، كما أن اهتمامات المتعاملين الأفراد تتعلق بالأخبار المباشرة المؤثرة على الأسهم، خاصة القطاع الصناعى والممثل بقوة فى كافة المؤشرات، ليعتبر خبرا واحدا عن تخفيض أسعار الغاز للمصانع له أثر أعمق من خبر زيادة الاكتشافات النفطية، لأن الكل يغنى على «ليلاه»، كما أن البورصة المصرية من الأسواق الناشئة التى لا تسهم فى تأثير عميق فى الاقتصاد، والاقتصاد لا يؤثر فيها.
مدير «المعاملات الدولية» يوضح الأسباب الأساسية والأسباب المؤقتة لبطء تحركات الأسواق..
وحصلت صدى العرب على تصريح بهذا الشأن من «محمود محسن» مدير غرفة المعاملات الدولية بالبنك الزراعى المصرى، حيث قال إنه من الطبيعى فى الأسواق الناشئة أن تحدث عملية بطء فى الاستجابة للأخبار الجيدة، خاصة بعد انتشار مخاوف وتكهنات استطلاع الرأي حول نتيجة الانتخابات الأمريكية، التى تلقى بظلالها بشدة على التوقعات اليومية للخريطة الاستثمارية فى العالم بأكمله، فكما نعرف مدى تأثير الاقتصاد الأمريكى وسطوته على الاقتصاد العالمى ومدى ارتباط البورصة الأمريكية ببورصات أوروبا وآسيا «أكبر الأسواق المالية» والمحرك الأساسى لخريطة الاستثمار العالمى، ولكى نستعرض الصورة بشكل أوضح حول التأثيرات السياسية على الاقتصاد «كلاهما وجهان لعملة واحدة»، سنجد مديرى الأموال والصناديق حول العالم لا هم لهم إلا متابعة نتائج استطلاعات الرأى بشكل يومى ومحاولة وضع رهاناتهم الاستثمارية على الحصان الرابح، فبعد 4 سنوات من حكم «ترامب» الذى رفع شعار «أمريكا أولا» منذ بداية رئاسته وضرورة عودة رؤوس الأموال المهاجرة الأمريكية لداخل الاقتصاد الأمريكى، ولتشغيل المواطن الأمريكي، وقد نجح فى ذلك نجاحا باهرا، ومن بيانات وزارة التجارة الأمريكية خلال 4 سنوات حكمه، انخفضت صافى الاستثمارات الخارجية الأمريكية المباشرة من 264 مليار دولار عام 2015 إلى 93 مليار دولار، وبالنسبة للاستثمار الأمريكى فى أوروبا وحدها فقد انخفض من 152 مليار دولار إلى 8 مليارات دولار فقط، وفى دول أمريكا اللاتينية من 51 مليار دولار إلى حوالى 5 مليارات دولار فقط، وعلى النقيض ارتفع الاستثمار الأمريكى فى آسيا من 47 مليار دولار إلى 53 مليار دولار، وهذا له دلالة واضحة وتحدٍ من العملاق الصينى الجديد (انظر الرسم البيانى حول الاستثمارات الخارجية الأمريكية المباشرة) المصدر «وزارة التجارة الأمريكية»، والغريب والجيد نوعا ما فى هذا البيان الإحصائى، انخفاض الاستثمار الأمريكى فى إفريقيا بكاملها من 800 مليون دولار (8, مليار) إلى سالب 2.8 مليار دولار، وهذا يشير إلى تواضع الاستثمارات الأمريكية الموجهة للاستثمار فى قارة إفريقيا ككل وعدم وضعها من الأساس على أولويات الاستثمار الأمريكى الخارجى، ويتوقع مديرين الاستثمار الدوليين ومديرين الأموال أن فوز «بايدن» سوف يعكس اتجاه الأسواق، خاصة الآسيوية ودول أمريكا اللاتينية، خاصة المكسيك، وتعسفات ترامب نحوها، وباختصار سوف يكون جيدا للأسواق خارج أمريكا، لكن على النقيض، لن يكون فى صالح الدب الروسى ومجاهرة بايدن بالعداء نحو الجانب الروسى، مما توقع البعض أن يؤثر ذلك على أسواق البترول التى مازالت تعانى من تقلبات شديدة وتؤثر بالتبعية على اقتصاديات دول الخليج، ونظرا لما هو معروف بارتباط جميع الأسواق المالية ببعضها ولكن بدرجات مختلفة، نجد أن هناك تأثيرا هامشيا يظهر فى التحرك العرضى الحذر لجميع البورصات، ومنها البورصة المصرية فى هذه الفترة، بجانب أن الإشادات بمعدلات النمو من الجهات الدولية بُنيت على نتائج قد تحققت بالفعل وكانت حصيلة الإصلاح الاقتصادى والذى عرقلته مؤقتا أزمة كورونا، ففى حين تكبدت أغلبية دول العالم، خاصة العظمى خسائر كبيرة، وانكماشا ونقصا كبيرا فى مواردها، استطاعت مصر أن تتحمل الأزمة، بل وتحقق نموا اقتصاديا، ولكن هكذا تستجيب الأسواق للمخاوف المستقبلية من ظهور أزمة جديدة لكورونا، واضطرار الدول إلى اتخاذ إجراءات قد تعيق اقتصاداتها كما سبق أن رأينا وعايشنا أن السوق والأسعار الحالية ما هى إلا انعكاس لتوقعات المستثمرين فى المستقبل، فكما قال كبار الاقتصاديين «رأس المال جبان» دائما، ولكن لن ينال الأرباح إلا المخاطر.
التأثير السلبى لـ«مارجن» والشراء بالهامش ومبيعات المؤسسات على البورصة المصرية
وعلى مستوى تأثير «المارجن» والشراء بالهامش قال «محمد عبدالهادى» خبير البورصة المصرية أنهما سلاح ذو حدين، وبالتالى ففى حالة الاتجاه الصاعد يتم النصح بأخذ المارجن بعد التأكد من ارتفاع المؤشر وأنه فى اتجاه صاعد، ولكن تكمن المشكلة إذا اتخذ المؤشر الاتجاه الهابط، وبالتالى يوجد نسب ثابتة لدى شركات الأوراق المالية بالآتى: أولا عدم الشراء فى ورقه واحدة لمن يتداول فى حساب الـ«مارجن»، ثانيا إذا تجاوزت نسبة المستثمر 60٪ يتم إخطاره وفى حالة تجاوزه نسبة ٧٠٪ ولم يتم تغطية موقفه المالى، فإن القوانين والتعليمات الخاصة التى تم الإمضاء عليها فى العقد المبرم بين المستثمر والشركة يحق لها البيع وهنا تكمن المشكلة إذ تعمق خسائر السوق خاصة إذا قامت أغلب الشركات بتصفية المراكز التى تجاوزت النسب خوفا من خسائر أخرى على أموال الشركة، وبالتالى من أكثر أسباب تعميق خسائر السوق يرجع إلى المارجن، خاصة لا يوجد تغطية تمويلية أو ضامنة تحمى السوق من الانهيار بسبب المارجن، وأرجع عبدالهادى انخفاض كافة المؤشرات إلى البيع الكثيف لدى المؤسسات المصرية التى هى فى الأساس لابد أن تكون داعمة وتصبح صانع سوق فى بعض الأوقات، ثانيا، التخوف الكبير مما يحدث حول العالم من الإغلاقات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا والتى تعيد فى الأذهان ما حدث بشهرى فبراير ومارس.
انخفاض عدد الشركات المقيدة وغياب المحفزات ووصول الرسملة لمستوى متدنٍ..
من جانبه أضاف إلينا «مايكل ممدوح» خبير أسواق المال، أن البورصة كمرآة للاقتصاد قد تتأثر فى غالب الأوقات ببعض المعطيات الأساسية مثل أسعار الغاز وتواجد الاستثمارات الأجنبية وغيرها، ولعدم وجود تلك المعطيات فنجد البورصة متراجعة بسبب عدم وجود أساسيات الاستثمار وارتفاع أسعار الطاقة مثل الغاز والكهرباء، وعدم وجود عوامل التحفيز المشجعة للقيد والتداول، بجانب انخفاض الشركات المقيدة من 1000 شركة إلى 200 شركة تقريبا، والنقطة الأخيرة هنا أن البورصة كانت تمثل نسبة 90% من الناتج وأصبحت تمثل نسبة 15% كقيمة سوقية بجانب انخفاض رسملة البورصة، كما أن لدينا قطاعات غير ممثلة، وتعالج تلك المشكلات بالعمل على حلها من الأساس.