طباعة
sada-elarab.com/549321
لقد ناضل بنو البشر -ومازالوا يناضلون- للحصول على حقوقهم الفكريَّة كاملة، وهذا شأنٌ طبيعيٌّ لا غضاضة أو غرابة فيه؛ فالحقوق الفكريَّة أو المعنوية، التي يرادفها: إبداعات العقل، شأنها شأنُ الملكيات الماديَّة الملموسة؛ تُعطي صاحبها سلطاتٍ قانونية، وتُقيَّم بالنقود، وتُتملَّك، ويُعتدى عليها، ويجب حمايتها.
لكنَّ الغريب أنْ يُعاصر هذه المناضلة مناضلةٌ لمنح الحقوق الفكريَّة لحيوان أو لآلة؟! بعدما لم يَعُدِ الإنسان فقط هو من يُتساءل بشأن مدى تمتُّعه بحقٍّ فكري معيَّن من عدمه!
وسنُفرد الحديث في هذه المقالة لبيان الوضع بالنسبة للحيوان بعدما سعت أفراد ومنظمات دوليَّة لمنحه الحقَّ الفكري؛ فها هي دعوى قضائيَّة اشتُهرت باسم "دعوى منح قرد حقَّ المؤلِّف على صورته الذاتية" (صورة سيلفي القرد)، التي رُفعتْ أمام المحكمة الفيدراليــة في سان فرانسيسكو من قِبَل ناشطــين في مجال الرفق بالحيـوان لصالح "القرد ناروتو" ضدَّ المصوِّر البريطاني المتخصص في تصوير المشاهد الطبيعية، الذي يُدعى "ديفيد سلاتر"؛ إذ طالب فيها المدعي بأن يُقرَّ القضاء الأمريكي بملكيَّة هذا الحيوان لصور التقطها لنفسه، دون المصور سلاتر صاحب آلة التصوير المُستخدَمة.
وبحسب ما ورد بالدعوى، فقد دفعت منظمة بيتا الأمريكية المعنية بمساواة حقوق الحيوانات بما يأتي: "حجَّتنا بسيطة؛ فقانون حقِّ المؤلف الأمريكي لا يحظر على الحيوان أن يكون صاحب ملكيَّة فكريَّة، وبما أن (ناروتو) هو من التقط الصور؛ فإن الحقوق المترتبة عليها ينبغي أن تعود إليه".
وبالرجوع بآلة الزمن إلى الوراء قليلاً؛ فقد أوضح سلاتر أنَّه قد عمد إلى الذهاب إلى جزيرة سولاوسي الإندونيسية رغبةً منه في تصوير معاناة قردة المكاك الأسود؛ إحدى أنواع القردة المهددة بالانقراض، وبعدما شعر سلاتر بأنَّ الوقت قد حان والظروف قد هُيئت ليذهب بالفعل إلى الجزيرة المذكورة ليقوم بمهمته المذكورة، وفي هذه الأثناء جنح سلاتر إلى تثبيت كاميرته الخاصة على حامل ثلاثي، ثم ضبط بعض إعدادات الكاميرا، التي من بينها: جعلها في وضعية التقاط الصور الذاتية "Selfie"، ثمَّ غاب عنها بضع دقائق، ولما عاد سلاتر وجد أنَّ إحدى قردة المكاك الأسود قد وقف أمام الكاميرا وضغط على زر التصوير عدَّة مرات وقام بالتقاط بعض الصور لنفسه وبنفسه!! وليست صورةً عاديَّة، بل صورة واضحة مُظهِرة لتفاصيل ملامح القرد بقدر عالٍ من الدقة، بل زد على ذلك الابتسامة العريضة التي ارتسمت على وجه القرد، وكأنه يدري أنه يلتقط صورة لنفسه!
ولعلَّ أحد مكامن النزاع قد تمثَّلت في قيام المصور سلاتر بإصدار كتاب أَطلق عليه "شخصيات الحياة البرية"، وجاءت صورة القرد المذكورة كغلاف له، كما خوَّل سلاتر وكالة أخبار كارترز البريطانية حقَّ المؤلف على هذه الصور، وقامت الأخيرة بالفعل بنشر الصورة لأول مرة في المملكة المتحدة.
وعلى الجانب الآخر تدخلت إحدى المواقع الشهيرة المتخصصة في نشر الصور والملفات الصوتية ذات الاستخدام المجاني عبر موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت، وقامت بنشر صورة "سيلفي القرد" على موقعها الإلكتروني المذكور، ذلك النشر الذي خلَّف وراءه انتشارًا هائلاً فاق التوقعات لهذه الصورة من ناحية، واحتدام النزاع بين المصور ديفيد سلاتر وإدارة ويكيبيديا جرَّاء هذا النشر من ناحية أخرى.
وإجمالًا فقد أُحيطت القضية بجدل واسع، ففي حال كسبت المنظمة هذه الدعوى فستكون هذه هي المرَّة الأولى التي يُقرُّ فيها القضاء لحيوان أن يكون صاحب ملكيَّة، وأي ملكية؟ إنها ملكية فكرية!
وبعد أعوام من النزاع القضائي جاء حكم محكمة استئناف سان فرانسيسكو مؤخَّرًا لصالح المصور سلاتر صاحب آلة التصوير المستخدمة، قاضيًا صراحة بعدم جواز تطبيق حقوق الملكيَّة الفكريَّة على قرد، لعدم تمتع الحيوان بالحقِّ الفكري، وسوَّغ حكمه بجملة من البراهين الداعمة.
إنَّ التطرُّق للبحث في مدى تمتُّع الحيوان بالحقِّ الفكري من الأمور الجدِّ شائكة؛ لذا نهيب بمشرِّعي الدول التدخُّل لمجابهتها بالنصوص القانونية المنظمة، خاصة بعد اختراق تطبيقاتها واقعنا العملي وسعي البعض للدفاع عن الحقوق الفكرية لهما تحديدًا؛ فإذا كانت هناك استحالة -ولو نسبية زمنية- في منح الحقِّ الفكري لغير الإنسان، سواء للحيوان أو غيره، إلَّا أنها تظل من المسائل القانونية التي يتعيَّن التصدي لها بالنصوص القانونية الصريحة المُبيِّنة للضوابط القانونية المحدِّدة لضوابط وشروط منح الحقِّ الفكري، وتبعات هذا وذاك في سياج قانوني محكَم.
(*) مدرس القانون الدولي الخاص كلية الحقوق - جامعة القاهرة